إشارة إلى مزيد الفضل، وقدم التواب لظهور مناسبته لما قبله، وقيل في ذكر الرحيم بعده إشارة إلى أن قبول التوبة ليس على سبيل الوجوب - كما زعمت المعتزلة - بل على سبيل الترحم والتفضل، وأنه الذي سبقت رحمته غضبه، فيرحم عبده في عين غضبه - كما جعل هبوط آدم سبب ارتفاعه، وبعده سبب قربه - فسبحانه من تواب ما أكرمه، ومن رحيم ما أعظمه، وإذا فسر التواب بالرجاع إلى المغفرة - كان الكلام تذييلا - لقوله تعالى: * (فتاب عليه) * أو بالذي يكثر الإعانة على التوبة - كان تذييلا - لقوله تعالى: * (فتلقى آدم) * الخ، وقرأ نوفل * (أنه) * بفتح الهمزة على تقدير - لأنه -.
* (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * * (قلنا اهبطوا منها جميعا) * كرر للتأكيد، فالفصل لكمال الاتصال - والفاء - في * (فتلقى) * (البقرة: 37) للاعتراض، إذ لا يجوز تقدم المعطوف عبى التأكيد، وفائدته الإشارة إلى مزيد الاهتمام بشأن التوبة وأنه يجب المبادرة إليها - ولا يمهل - فإنه ذنب آخر مع ما في ذلك من إظهار الرغبة بصلاح حاله عليه السلام وفراغ باله، وإزالة ما عسى يتشبث به الملائكة عليهم السلام، وقد فضل عليهم وأمروا بالسجود له، أو كرر ليتعلق عليه معنى آخر غير الأول، إذ ذكر إهباطهم أولا:
للتعادي وعدم الخلود، والأمر فيه تكويني. وثانيا: ليهتدي من يهتدي، ويضل من يضل، والأمر فيه تكليفي، ويسمى هذا الأسلوب في البديع - الترديد - فالفصل حينئذ للانقطاع لتباين الغرضين، وقيل: إن إنزال القصص للاعتبار بأحوال السابقين، ففي تكرير الأمر تنبيه على أن الخوف الحاصل من تصور إهباط آدم عليه السلام المقترن بأحد هذين الأمرين من التعادي والتكليف كاف لمن له حزم، وخلا عن عذر أن تعوقه عن مخالفة حكمه تعالى، فكيف المخالفة الحاصلة من تصور الإهباط المقترن بهما؟؟ فلو لم يعد الأمر لعطف * (فإما يأتينكم) * على الأول: فلا يفهم إلا إهباط مترتب عليه جميع هذه الأمور، ويحتمل - على بعد - أن تكون فائدة التكرار التنبيه على أنه تعالى هو الذي أراد ذلك، ولولا إرادته لما كان ما كان؛ ولذلك أسند الإهباط إلى نفسه مجردا عن التعليق بالسبب بعد إسناد إخراجهما إلى الشيطان، فهو قريب من قوله عز شأنه: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * (الأنفال: 17) وقال الجبائي: إن الأول: من الجنة إلى السماء. والثاني: منها إلى الأرض، ويضعفه ذكر * (ولكم في الأرض مستقر) * (البقرة: 36) عقيب الأول و * (جميعا) * حال من فاعل * (اهبطوا) * أي مجتمعين، سواء كان في زمان واحد أو لا، وقد يفهم الاتحاد في الزمان من سياق الكلام، كما قيل به في * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) * (الحجر: 30) وأبعد ابن عطية فجعله تأكيدا لمصدر محذوف أي هبوطا جميعا * (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *. لا يدخل في الخطاب غير المكلف، وأدرج الكثيرون إبليس لأنه مخاطب بالإيمان - والفار - لترتيب ما بعدها على الهبوط المفهوم من الأمر و (إما) مركبة من إن الشرطية و (ما) الزائدة للتأكيد، وكثر تأكيد الفعل بعدها بالنون، ولم يجب كما يدل عليه قول سيبويه: إن شئت لم تقحم النون، كما أنك إن شئت لم تجيء بما وقد ورد ذلك في قوله: يا صاح أما تجدني غير ذي جدة * فما التخلي عن الخلان من شيمي وقوله: إما أقمت وإما كنت مرتحلا * فالله يحفظ ما تبقي وما تذر وحمل ذلك من قال بالوجوب على الضرورة وهو مما لا ضرورة إليه، والقول بأنه يلزم حينئذ مزية التابع - الذي هو حرف الشرط على المتبوع وهو الفعل - يدفعه أن التابع ومؤكده تابع فلا مزية، أو أن (ما) لتأكيد الفعل