عند رأسه قاعدة فسألها من أنت؟ قالت: امرأة قال ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي فقالت الملائكة تجربة لعلمه: من هذه؟ قال: امرأة قالوا: لم سميت امرأة؟ قال: لأنها خلقت من المراء فقالوا: ما اسمها؟ قال: حواء قالوا: لم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. وقال كثيرون ولعلي أقول بقولهم إنها خلقت قبل الدخول ودخلا معا، وظاهر الآية الكريمة يشير إليه وإلا توجه الأمر إلى معدوم وإن كان في علمه تعالى موجودا، وأيضا في تقديم (زوجك) على (الجنة) نوع إشارة إليه وفي المثل، الرفيق قبل الطريق. وأيضا هي مسكن القلب، والجنة مسكن البدن، ومن الحكمة تقديم الأول على الثاني، وأثر السدي - على ما فيه مما لا يخفى عليك - معارض بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: بعث الله جندا من الملائكة فحملوا آدم وحواء على سرير من ذهب كما تحمل الملوك ولباسهما النور حتى أدخلوهما الجنة فإنه كما ترى يدب على خلقها قبل دخول الجنة.
* (وكلا منها رغدا حيث شئتما) * الضمير المجرور للجنة على حذف مضاف أي من مطاعمها من ثمار وغيرها فلم يحظر عليهما شيئا إلا ما سيأتي، وأصل كلا أأكلا بهمزتين الأولى للوصل، والثانية فاء الكلمة فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ وأتبعت بالأولى لفوات الغرض، وقيل: حذفا معا لكثرة الاستعمال والرغد بفتح الغين وقرأ النخعي بسكونها الهني الذي لا عناء فيه أو الواسع، يقال: رغد عيش القوم، ورغد بكسر الغين وضمها كنوا في رزق واسع كثير، وأرغد القوم أخصبوا وصاروا في رغد من العيش، ونصبه على أنه نعت لمصدر محذوف، أي أكلا رغدا. وقال ابن كيسان: إنه حال بتأويل راغدين مرفهين، و (حيث) ظرف مكان مبهم لازم للظرفيه، وإعرابها لغة بني فقعس ولا تكون ظرف زمان خلافا للأخفش، ولا يجزم بها دون (ما) خلافا للفراء، ولا تضاف للمفرد خلافا للكسائي؛ ولا يقال: زيد حيث عمرو خلافا للكوفيين ويعتقب على آخرها الحركات الثلاث مع الياء والواو والألف ويقال: حايث على قلة وهي هنا متعلقة بكلا، والمراد بها العموم لقرينة المقام وعدم المرجح أي أي مكان من الجنة شئتما وأباح لهما الأكل كذلك إزاحة للعذر في التناول مما حظر، ولم تجعل متعلقة ب * (أسكن) *، لأن عموم الأمكنة مستفاد من جعل الجنة مفعولا به له، مع أن التكريم في الأكل من كل ما يريد منها لا في عدم تعيين السكنى ولأن قوله تعالى في آية أخرى: * (وكلا من حيث شئتما) * يستدعي ما ذكرنا، وكذا قوله سبحانه:
* (ولا تقربا هاذه الشجرة فتكونا من الظالمين) * ظاهر هذا النهي التحريم، والمنهي عنه الأكل من الشجرة، إلا أنه سبحانه نهى عن قربانها مبالغة، ولهذا جعل جل شأنه العصيان المرتب على الأكل مرتبا عليه، وعدل عن فتأثما إلى التعبير بالظلم الذي يطلق على الكبائر، ولم يكتف بأن يقول: ظالمين، بل قال: * (من الظالمين) * بناء على ما ذكروا أن قولك: زيد من العالمين، أبلغ من زيد عالم لجعله غريقا في العلم إبا عن جد، وإن قلنا بأن (تكونا) دالة على الدوام ازدادت المبالغة، ومن الناس من قال: لا تقرب بفتح الراء نهي عن التلبس بالشيء وبضمها بمعنى لا تدن منه، وقال الجوهري: قرب بالضم يقرب قربادنا وقربته بالكسر قربانا دونت منه. والتاء في (الشجرة) للوحدة الشخصية وهو اللائق بمقام الازاحة وجاز أن يراد النوع، وعلى التقديرين اللام للجنس كما في " الكشف " ووقع خلاف في هذه الشجرة، فقيل: الحنطة، وقيل: النخلة، وقيل: شجرة الكافور ونسب إلى علي كرم الله تعالى وجهه وقيل: التين، وقيل: الحنظل، وقيل: شجرة المحبة، وقيل: شجرة الطبيعة والهوى وقيل، وقيل.... والأولى: عدم القطع والتعيين كما أن الله تعالى لم يعينها