تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٢٥
والضمير لها بلا تكلف - وإليه ذهب مكي والمهدوي ويرد عليه أن * (أنبئوني بأسماء هؤلاء) * يدل على أن العرض للسؤال عن أسماء المعروضات لا عن نفسها وإلا لقيل: أنبؤوني بهؤلاء، فلا بد أن يكون المعروض غير المسؤول عنه فلا يكون نفس الأسماء، ومعنى عرض المسميات تصويرها لقلوب الملائكة، أو إظهارها لهم كالذر، أو إخبارهم بما سيوجده من العقلاء وغيرهم إجمالا، وسؤالهم عما لا بد لهم منه من العلوم والصنائع التي بها نظام معاشهم ومعادهم إجمالا أيضا، وإلا فالتفصيل لا يمكن علمه لغير اللطيف الخبير، فكأنه سبحانه قال: سأوجد كذا وكذا فأخبروني بما لهم وما عليهم، وما أسماء تلك الأنواع من قولهم: عرضت أمري على فلان فقال لي كذا، فلا يرد أن المسميات عند بعض أعيان ومعان، وكيف تعرض المعاني كالسرور والحزن والجهل والعلم، وعندي أن عرض المسميات عليهم يحتمل أن يكون عبارة عن اطلاعهم على الصور العلمية والأعيان الثابتة التي قد يطلع عليها في هذه النشأة بعض عباد الله تعالى المجردين، أو إظهار ذلك لهم في عالم تتجسد فيه المعاني وهذا غير ممتنع على الله تعالى بل إن المعاني الآن متشكلة في عالم الملكوت بحيث يراها من يراها، ومن أحاط خبرا بعالم المثال لم يستبعد ذلك، وقيل: إنهم شهدوا تلك المسميات في آدم عليه السلام، وهو المراد بعرضها:
وتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر وقرأ أبي: * (ثم عرضها) * وعبد الله: * (عرضهن) * والمعنى عرض مسمياتها أو مسمياتهن، وقيل: لا تقدير.
* (فقال أنبئوني بأسمآء ه‍اؤلآء) * تعجيز لهم وليس من التكليف بما لا يطاق - على ما وهم - وفيه إشارة إلى أن أمر الخلافة والتصرف والتدبير وإقامة المعدلة بغير وقوف على مراتب الاستعدادات ومقادير الحقوق مما لا يكاد يمكن، فكيف يروم الخلافة من لا يعرف ذلك، أو من لا يعرف الألفاظ أنفسها؟! هيهات ذلك أبعد من العيوق وأعز من بيض الأنوق وعندي أن المراد إظهار عجزهم وقصور استعدادهم عن رتبة الخلافة الجامعة للظاهر والباطن بأمرهم بالإنباء بتلك الأسماء على الوجه الذي أريد منها، والعاجز عن نفس الإنباء أعجز عن التحلي المطلوب في ذلك المنصب المحبوب: كيف الوصول إلى سعاد ودونها * قلل الجبال ودونهن حتوف الرجل حافية ومالي مركب * والكف صفر والطريق مخوف والإنباء في الأصل مطلق الإخبار وهو الظاهر هنا ويطلق على الإخبار بما فيه فائدة عظيمة ويحصل به علم أو غلبة ظن، وقال بعضهم: إنه إخبار فيه إعلام، ولذلك يجري مجرى كل منهما، واختاره هنا على ما قيل للإيذان برفعة شأن الأسماء وعظم خطرها؛ وهذا مبني، على أن النبأ إنما يطلق على الخبر الخطير والأمر العظيم، وفي استعمال ثم فيما تقدم والفاء هنا ما لا يخفى من الاعتناء بشأن آدم عليه السلام وعدمه في شأنهم.
وقرأ الأعمش: * (أنبئوني) * بغير همز * (إن كنتم ص‍ادقين) * أي فيما اختلج في خواطركم من أني لا أخلق خلقا إلا أنتم أعلم منه وأفضل وهذا هو التفسير المأثور فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الملائكة قالوا: لن يخلق الله تعالى خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم، وفي الكلام دلالة عليه، فإن * (ونحن نسبح) * الخ يدل على أفضليتهم، وتنزيه الله تعالى وتقديسه أو تقديسهم أنفسهم يدل على كمال العلم أيضا. وقيل: إن المعنى * (إن كنتم صادقين) * في زعمكم أنكم أحق بالاستخلاف أو في أن استخلافهم لا يليق فأثبتوه ببيان ما فيكم من الشرائط السابقة وليس هذا من المعصية في شيء لأنه شبهة اختلجت، وسألوا عما يزيحها وليس باختياري، ولا يرد
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»