تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٣١
تقتضيه الحقائق، فلا سبيل إلى تغييرها وتبديلها، واستشعر ذلك من ندائه بإبليس ولم يكن اسمه من قبل بل كان اسمه عزازيل أو الحرث، وكنيته أبا مرة ووراء ذلك ما لم يمكن كشفه والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل وفي قوله تعالى: * (أبى واستكبر وكان من الك‍افرين) * نوع إشارة إلى بعض ما ذكر، والجملة استئناف جواب لمن قال ما فعل، وقيل: إن الفعلين الأولين في موضع نصب على الحال أي آبيا مستكبرا * (وكان من الكافرين) * مستأنف أو في موضع الحال، وقيل: الجمل الثلاث تذييل بعد تذييل، والاباء الامتناع مع الأنفة والتمكن من الفعل، ولهذا كان قولك أبي زيد الظلم أبلغ من لم يظلم ولافادة الفعل النفي صح بعده الاستثناء المفرغ ك‍ * (يأبى الله إلا أن يتم نوره) * (التوبة: 32) وقوله: أبى الله إلا عدله ووفاءه * فلا النكر معروف ولا العرف ضائع والفعل منه أبى بالفتح، وعليه لا يكون يأبى قياسيا. وقد سمع أبى كرضي فالمضارع حينئذ قياسي والمفعول هنا محذوف أي السجود، والاستكبار التكبر وهو مما جاء فيه استفعل بمعنى تفعل، وقيل: التكبر أن يرى الشخص نفسه أكبر من غيره وهو مذموم وإن كان أكبر في الواقع، والاستكبار طلب ذلك بالتشبع، وقدم الإباء عليه وإن كان متأخرا عنه في الرتبة لأنه من الأحوال الظاهرة بخلاف الاستكبار فإنه نفساني. أو لأن المقصود الإخبار عنه بأنه خالف حاله حال الملائكة فناسب أن يبدأ أولا بتأكيد ما حكم به عليه في الاستثناء أو بإنشاء الإخبار عنه بالمخالفة فبدأ بذلك على أبلغ وجه (وكان) على بابها والمعنى كان في علم الله تعالى من الكافرين أو كان من القوم الكافرين الذين كانوا في الأرض قبل خلق آدم، وقيل: بمعنى صار وهو مما أثبته بعض النحاة قال ابن فورك: وترده الأصول ولأنه كان الظاهر حينئذ فكان بالفاء ثم إن كفره ليس لترك الواجب كما زعم الخوارج متمسكين بهذه الآية لأنه لا يوجب ذلك في ملتنا على ما دلت عليه القواطع، وإيجابه قبل ذلك غير مقطوع به بل باستقباحه أمر الله تعالى بالسجود لمن يعتقد أنه خير منه وأفضل كما يدل عليه الإباء والاستكبار وقال أبو العالية: معنى * (من الكافرين) * من العاصين ثم الظاهر أن كفره كان عن جهل بأن استرد سبحانه منه ما أعاره من العلم الذين كان مرتديا به حين كان طاووس الملائكة وأظافير القضاء إذا حكت أدمت، وقسى القدر إذا رمت أصمت - وكان سراح الوصل أزهر بيننا * فهبت به ريح من البين فانطفي وقيل: عن عناد حمله عليه حب الرياسة والإعجاب بما أوتي من النفاسة ولم يدر المسكين أنه لو امتثل ارتفع قدره وسما بين الملأ الأسمى فنحره ولكن: إذا لم يكن عون من الله للفتى * فأول ما يجني عليه اجتهاده وكم أرقت هذه القصة جفونا، وأراقت من العيون عيونا فإن إبليس كان مدة في دلال طاعته يختال في رداء مرافقته ثم صار إلى ما ترى وجرى ما به القلم جرى: وكنا وليلى في صعود من الهوى * فلما توافينا ثبت وزلت ومن هنا قال الشافعية والأشعرية وبقولهم أقول في هذه المسألة: إن العبرة بالإيمان الذي يوافي العبد عليه ويأتي متصفا به في آخر حياته وأول منازل آخرته، ولذا يصح أنا مؤمن إن شاء الله تعالى بالشك، ولكن ليس في الإيمان الناجز بل في الإيمان الحقيقي المعتبر عند الموت وختم الأعمال، وقد صح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه كما أورده الزرقاني أن من تمام إيمان العبد أن يستثنى إذ عواقب المؤمنين مغيبة عندهم وهو القاهر فوق
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»