تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٢٨
فعرف كل صنف إصابته في تلك اللغة أو ذلك الشيء بعيد.
* (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) * جواب ل‍ * (ما) * وتقرير لما مر من الجواب الإجمالي واستحضار له على وجه أبسط من ذلك وأشرح. ولا يخفى ما في الآية من الإيجاز، إذ كان الظاهر أعلم غيب السموات والأرض وشهادتهما وأعلم ما كنتم تبدون وما كنتم تكتمون وما ستبدون وتكتمون، إلا أنه سبحانه اقتصر على غيب السموات والأرض لأنه يعلم منه شهادتهما بالأولى، واقتصر من الماضي على المكتوم لأنه يعلم منه البادي كذلك وعلى المبدأ من المستقبل لأنه قبل الوقوع خفي، فلا فرق بينه وبين غيره من خفياته وتغيير الأسلوب حيث لم يقل: وتكتمون لعله لإفادة استمرار الكتمان فالمعنى أعلم ما تبدون قبل أن تبدوه وأعلم ما تستمرون على كتمانه، وذكر الساليكوتي أن كلمة كان صلة غير مفيدة لشيء إلا محض التأكيد المناسب للكتمان، ثم الظاهر من الآية العموم ومع ذلك * (ما لا تعلمون) * أعم مفهوما لشموله غيب الغيب الشامل لذات الله تعالى وصفاته وخصها قوم فمن قائل: غيب السموات أكل آدم وحواء من الشجرة، وغيب الأرض قتل قابيل هابيل. ومن قائل: الأول: ما قضاه من أمور خلقه والثاني: ما فعلوه فيها بعد القضاء، ومن قائل: الأول: ما غاب عن المقربين مما استأثر به تعالى من أسرار الملكوت الأعلى والثاني: ما غاب عن أصفيائه من أسرار الملك الأدنى وأمور الآخرة، والأولى وما أبدوه قبل قولهم: * (أتجعل فيها) * (البقرة: 30) وما كتموه، قولهم: لن يخلق الله تعالى أكرم عليه منا، وقيل: ما أظهروه بعد من الامتثال. وقيل: ما أسره إبليس من الكبر، وإسناد الكتم إلى الجميع حينئذ من باب بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد منهم ومعنى الكتم على كل حال عدم إظهار ما في النفس لأحد ممن كان في الجمع، وليس المراد أنهم كتموا الله تعالى شيئا بزعمهم فإن ذلك لا يكون حتى من إبليس وأبدى سبحانه العامل في * (ما تبدون) * الخ اهتماما بالإخبار بذلك المرهب لهم والظاهر عطفه على الأول فهو داخل معه تحت ذلك القول، ويحتمل أن يكون عطفا على جملة * (ألم أقل) * فلا يدخل حينئذ تحته.
* (وإذ قلنا للمل‍ائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الك‍افرين) * * (وإذ قلنا للمل‍ائكة اسجدوا لآدم) * الظرف متعلق بمقدر دل عليه الكلام كانقادوا وأطاعوا والعطف من عطف القصة على القصة وفي كل تعداد النعمة مع أن الأول تحقيق للفضل وهذا اعتراف به ولا يصح عطف الظرف على الظرف بناءا على اللائق الذي قدمناه لاختلاف الوقتين، وجوز على أن نصب السابق بمقدر، والسجود في الأصل تذلل مع انخفاض بانحناء وغيره، وفي الشرع وضع الجبهة على قصد العبادة وفي المعنى المأمور به هنا خلاف فقيل: المعنى الشرعي، والمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى وآدم إما قبلة أو سبب واعترض بأن لو كان كذلك ما امتنع إبليس، وبأنه لا يدل على تفضيله عليه السلام عليهم. وقوله تعالى: * (أرأيتك هذا الذي كرمت علي) * (الإسراء: 62) يدل عليه ألا ترى أن الكعبة ليست بأكرم ممن سجد إليها وأجيب بالتباس الأمر على إبليس، وبأن التكريم يجعله جهة لهذه العبادة دونهم، ولا يخفى ما فيه من الدلالة على عظمة الشأن كما في جعل الكعبة قبلة من بين سائر الأماكن ومن الناس من جوز كون المسجود له آدم عليه السلام حقيقة مدعيا أن السجود للمخلوق إنما منع في شرعنا وفيه أن السجود الشرعي عبادة، وعبادة غيره سبحانه شرك محرم في جميع الأديان والأزمان ولا أراها حلت في عصر من الأعصار. وقيل: المعنى اللغوي ولم يكن فيه وضع
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»