تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٢٦
أن الصدق والكذب إنما يتعلق بالخبر وهم استخبروا ولم يخبروا لأنا نقول: هما يتطرقان إلى الإنشاءات بالقصد الثاني، ومن حيث ما يلزم مدلولها، وإن لم يتطرقا إليها بالقصد الأول ومن حيث منطوقها، وجواب * (إن) * في مثل هذا الموضع محذوف عند سيبويه وجمهور البصريين يدل عليه السابق، وهو هنا * (أنبئوني) * وعند الكوفيين وأبي زيد والمبرد أن الجواب هو المتقدم، وهذا هو النقل الصحيح عمن ذكر في المسألة، ووهم البعض فعكس الأمر، ومن زعم أن * (إن) * هنا بمعنى إذا الظرفية فلا تحتاج إلى جواب فقد وهم، وكأنه لما رأى عصمة الملائكة وظن من الآية ما يخل بها، ولم يجد لها محملا مع إبقاء * (إن) * على ظاهرها افتقر إلى ذلك، والحمد لله تعالى على ما أغنانا من فضله ولم يحوجنا إلى هذا ولا إلى القول بأن الغرض من الشرطية التوكيد لما نبههم عليه من القصور والعجز، فحاصل المعنى حينئذ أخبروني ولا تقولوا إلا حقا كما قال الإمام.
* (قالوا سبح‍انك لا علم لنآ إلا ما علمتنآ إنك أنت العليم الحكيم) * * (قالوا سبح‍انك لا علم لنا إلا ما علمتنا) * استئناف واقع موقع الجواب كأنه قيل: فماذا؟ قالوا إذا ذاك: هل خرجوا عن عهدة ما كلفوه أولا؟ فقيل: * (قالوا) *: الخ. وذكر غير واحد أن الجمل المفتتحة بالقول إذا كانت مرتبا بعضها على بعض في المعنى فالأفصح أن لا يؤتى فيها بحرف اكتفاء بالترتيب المعنوي، وقد جاء في سورة الشعراء من ذلك كثير، بل القرآن مملوء منه، وسبحان قيل: إنه مصدر، وفعله سبح مخففا بمعنى نزه، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا، إما للمفعول أو الفاعل منصوبا بإضمار فعل وجوبا، وقوله: سبحانه ثم سبحانا نعوذ به * وقبلنا سبح الجودي والجمد شاذ كقوله: سبحانك اللهم ذا السبحان ومجئيه منادى مما زعمه الكسائي ولا حجة له وذهب جماعة إلى أنه علم للتسبيح بمعنى التنزيه لا مصدر سبح بمعنى قال: سبحان الله لئلا يلزم الدور ولأن مدلول ذلك لفظ ومدلول هذا معنى واستدل على ذلك بقوله: قد قلت لما جاءني فخره * سبحان من علقمة الفاخر إذ لولا أنه علم لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية، وأجيب بأن سبحان فيه على حذف المضاف إليه أي سبحان الله وهو مراد للعلم به، وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله وهو التجرد عن التنوين وقيل: (من) زائدة والإضافة لما بعدها على التهكم والاستهزاء به، ومن الغريب قول بعض: إن معنى * (سبحانك) * تنزيه لك بعد تنزيه، كما قالوا في لبيك إجابة بعد إجابة، ويلزم على هذا ظاهرا أن يكون مثنى ومفرده سبحا وأن لا يكون منصوبا بل مرفوع وأنه لم تسقط النون للإضافة وإنما التزم فتحها، ويا سبحان الله تعالى لمن يقول ذلك، والغرض من هذا الجواب الاعتراف بالعجز عن أمر الخلافة، والقصور عن معرفة الأسماء على أبلغ وجه كأنهم قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا ولم تعلمنا الأسماء فكيف نعلمها؟ وفيه إشعار بأن سؤالهم لم يكن إلا استفسارا، إذ لا علم لهم إلا من طريق التعليم، ومن جملته علمهم بحكمة الاستخلاف مما تقدم فهو بطريق التعليم أيضا فالسؤال المترتب هو عليم سؤال مستفسر لا معترض وثناء عليه تعالى بما أفاض عليهم مع غاية التواضع ومراعاة الأدب وترك الدعوى، ولهذا كله لم يقولوا لا علم لنا بالأسماء مع أنه كان مقتضى الظاهر ذلك، ومن زعم عدم العصمة جعل هذا توبة، والإنصاف أنه يشبهها ولكن
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»