صفي الدين الخزرجي في كتابه " فك الأزرار " فجعل القائل مختلفا، وبين ذلك بأن الملائكة كانوا حين ورود الخطاب عليهم مجملين وكان إبليس مندرجا في جملتهم فورد الجواب منهم مجملا، فلما انفصل إبليس عن جملتهم بإبائه انفصل الجواب إلى نوعين، فنوع الاعتراض منه، ونوع التسبيح والتقديس ممن عداه، فانقسم الجواب إلى قسمين كانقسام الجنس إلى جنسين، وناسب كل جواب من ظهر عنه، فالكلام شبيه بقوله تعالى: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) * (البقرة: 135) وهو تأويل لا تفسير.
* (قال إني أعلم ما لا تعلمون) * أي أعلم من الحكم في ذلك ما أنتم بمعزل عنه، وقيل: أراد بذلك علمه بمعصية إبليس وطاعة آدم، وقيل: بأنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء وصالحون، وقيل: الأحسن أن يفسر هذا المبهم بما أخبر به تعالى عنه بقوله سبحانه: * (إني أعلم غيب السموات والأرض) * (البقرة: 33) ويفهم من كلام القوم قدس الله تعالى أسرارهم، أن المراد من الآية بيان الحكمة في الخلافة على أدق وجه وأكمله، فكأنه قال جل شأنه - أريد الظهور بأسمائي وصفاتي ولم يكمل ذلك بخلقكم - فإني أعلم ما لا تعلمونه لقصور استعدادكم ونقصان قابليتكم، فلا تصلحون لظهور جميع الأسماء والصفات فيكم، فلا تتم بكم معرفتي ولا يظهر عليكم كنزي، فلا بد من إظهار من تم استعداده، وكملت قابليته ليكون مجلي لي ومرآة لأسمائي وصفاتي ومظهرا للمتقابلات في، ومظهرا لما خفي عندي، وبي يسمع وبي يبصر وبي وبي، وبعد ذاك يرق الزجاج والخمر، وإلى الله عز شأنه يرجع الأمر. و * (أعلم) * فعل مضارع، واحتمال أنه أفعل تفضيل مما لا ينبغي أن يخرج عليه كتاب الله سبحانه كما لا يخفى.
* (وعلم ءادم الأسمآء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسمآء هاؤلاء إن كنتم صادقين) * * (وعلم ءادم الأسماء كلها) * عطف على * (قال) * (البقرة: 30)، وفيه تحقيق لمضمون ما تقدم، وظاهر الابتداء بحكاية التعليم يدل على أن ما مر من المقاولة إنما جرت بعد خلقه عليه السلام بمحضر منه بأن قيل إثر نفخ الروح فيه: إن جاعل إياه خليفة، فقيل ما قيل، وقيل: إنه معطوف على محذوف، أي فخلق وعلم، أو فخلقه وسواه ونفخ فيه الروح وعلم، أو فجعل في الأرض خليفة وعلم، وإبراز اسمه عليه السلام للتنصيص عليه والتنويه بذكره. وآدم صرح الجواليقي وكثيرون أنه عربي ووزنه أفعل من الأدمة بضم فسكون السمرة وياما أحيلاها في بعض، وفسرها أناس بالبياض أو الأدمة - بفتحتين - الأسوة والقدوة أو من أديم الأرض ما ظهر منها. وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه غير واحد، أنه تعالى قبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها، فخلق منها آدم، فلذلك تأتي بنوه أخيافا، أو من الأدم أو الأدمة، الموافقة والألفة، وأصله أأدم - بهمزتين - فأبدلت الثانية ألفا لسكونها بعد فتحة، ومنع صرفه للعلمية ووزن الفعل، وقيل: أعجمي ووزنه فاعل بفتح العين ويكثر هذا في الأسماء كشالخ وآزر ويشهد له جمعه على أوادم بالواو لا - أآدم - بالهمزة، وكذا تصغيره على - أويدم - لا - أؤيدم - واعتذر عنه الجوهري بأنه ليس للهمزة أصل في البناء معروف، فجعل الغالب عليها - الواو - ولم يسلموه له، وحينئذ لا يجري الاشتقاق فيه لأنه من تلك اللغة لا نعلمه ومن غيرها لا يصح، والتوافق بين اللغات بعيد، وإن ذكر فيه فذاك للإشارة إلى أنه بعد التعريب ملحق بكلامهم، وهو اشتقاق تقديري اعتبروه لمعرفة الوزن والزائد فيه من غيره، ومن أجراه فيه حقيقة كمن جمع بين الضب والنون، ولعل هذا أقرب إلى الصواب. والأسماء جمع اسم وهو باعتبار الاشتقاق ما يكون علامة للشيء ودليلا يرفعه إلى الذهن من الألفاظ الموضوعة بجميع اللغات والصفات والأفعال، واستعمل عرفا في الموضوع