تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢١٢
من العموم ولا دليل واضح على الخصوص. ورجح بعضهم ما قبله بأن الظاهر أن هذا توصيف للفاسقين بأنهم يضيعون حق الخلق بعد وصفهم بتضييع حق الحق سبحانه، وتضييع حقه بنقض عهده وحق خلقه بتقطيع أرحامهم وليس بالقوي. والأمر القول الطالب للفعل مع علو عند المعتزلة أو استعلاء عند أبي الحسين، ويفسدهما ظاهر قوله تعالى حكاية عن فرعون: * (ماذا تأمرون) * (الأعراف: 110) ويطلق على التكلم بالصيغة وعلى نفسها، وفي موجبها خلاف، وهذا هو الأمر الطلبي. وقد نقل إلى الأمر الذي يصدر عن الشخص لأنه يصدر عن داعية تشبه الأمر فكأنه مأمور به أو لأنه من شأنه أن يؤمر به كما سمي الخطب والحال العظيمة شأنا. وهو مصدر في الأصل بمعنى القصد وسمي به ذلك لأن من شأنه أن يقصد. وذهب الفقهاء إلى أن الأمر مشترك بين القول والفعل لأنه يطلق عليه مثل * (وما أمر فرعون برشيد) * (هود: 97). و * (أن يوصل) * يحتمل النصب والخفض على أنه بدل من * (ما) * أو من ضميره، والثاني: أولى للقرب ولأن قطع ما أمر الله تعالى بوصله أبلغ من قطع وصل ما أمر الله تعالى به نفسه، واحتمال الرفع بتقدير هو أو النصب بالبدلية من محل المجرور أو بنزع الخافض أو أنه مفعول لأجله أي لأن أو كراهية أن ليس بشيء كما لا يخفى.
* (ويفسدون في الأرض أولئك هم الخ‍اسرون) * إفسادهم باستدعائهم إلى الكفر والترغيب فيه وحمل الناس عليه أو بإخافتهم السبل وقطعهم الطرق على من يريد الهجرة إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أو بأنهم يرتكبون كل معية يتعدى ضررها ويطير في الآفاق شررها ولعل هذا أولى. وذكر في (الأرض) إشارة إلى أن المراد فساد يتعدى دون ما يقف عليهم. و * (أولئك) * إشارة إلى * (الفاسقين) * باعتبار ما فصل من صفاتهم القبيحة، وفيه رمز إلى أنهم في المرتبة البعيدة من الذم وحصر الخاسرين عليهم باعتبار كمالهم في الخسران حيث أهملوا العقل عن النظر ولم يقنصوا المعرفة المفيدة للحياة الأبدية والمسرة السرمدية، واشتروا النقض بالوفاء، والفساد بالصلاح، والقطيعة بالصلة، والثواب بالعقاب فضاع منهم الطلبتان رأس المال والربح وحصل لهم الضرر الجسيم وهذا هو الخسران العظيم. وفي الآية ترشيح للاستعارة المقدرة التي تتضمنها الآيات السابقة فافهم.
* (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحي‍اكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) * * (كيف تكفرون بالله) * التفات إلى خطاب أولئك بعد أن عدد قبائحهم المستدعية لمزيد سخطه تعالى عليهم والإنكار إذا وجه إلى المخاطب كان أبلغ من توجيهه إلى الغائب وأردع له لجواز أن لا يصله. و * (كيف) * اسم إما ظرف وعزي إلى سيبويه فمحلها نصب دائما، أو غير ظرف وعزي إلا الأخفش فمحلها رفع مع المبتدأ، ونصب مع غيره، وادعى ابن مالك أن أحدا لم يقل بظرفيتها إذ ليست زمانا ولا مكانا لكن لكونها تفسر بقولك على أي حال أطلق اسم الظرف عليها مجازا، واستحسنه ابن هشام ودخول الجر عليها شاذ. وأكثر ما تستعمل استفهاما والشرط بها قليل والجزم غير مسموع، وأجازه قياسا - الكوفيون وقطرب، والبدل منها أو الجواب إذا كانت مع فعل مستغن منصوب ومع ما لا يستغني مرفوع إن كان مبتدأ ومنصوب إن كان ناسخا. وزعم ابن موهب أنها تأتي عاطفة وليس بشيء، وهي هنا للاستخبار منضما إليه الإنكار والتعجيب لكفرهم بإنكار الحال الذي له مزيد اختصاص بها وهي العلم بالصانع والجهل به، ألا يرى أنه ينقسم باعتبارهما فيقال: كافر معاند وكافر جاهل؟ فالمعنى أفي حال العلم تكفرون أم في حال الجهل وأنتم عالمون بهذه القصة؟ وهو يستلزم العلم
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»