تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٠٠
أهل الجنة الجنة من مقعر فك الثوابت إلى أسفل السافلين، فهذا كله يزاد إلى ما هو الآن. ولذا كان يقول عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: إذا رأى البحر يا بحر متى تعود نارا، وكان يكره الوضوء بمائه ويقول: التيمم أحب إلي منه وقال تعالى: * (وإذا البحار سجرت) * (التكوير: 6) أي أججت، وليس للكفار اليوم مكث فيها وإنما يعرضون عليها كما قال تعالى: * (بكرة وعشيا) * (مريم: 62) وهي ناران حسية مسلطة على ظاهر الجسم، والإحساس والحيوانية، ومعنوية وهي: * (التي تطلع على الأفئدة) * (الهمزة: 7) وبها يعذب الروح المدبر للهيكل الذي أمر فعصى، والمخالفة وهي عين الجهل بمن استكبر عليه أشد العذاب، وقد أطالوا الكلام في ذلك وأتوا بالعجب العجاب، وحقيق الأمر عندي لا يعلمها إلا الله تعالى ولا شيء أحسن من التسليم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فكيفية ما في تلك النشأة الأخروية مما لا يمكن أن تعلم كما ينبغي لمن غرق في بحار العلائق الدنيوية - وماذا على إذا آمنت بما جاء مما أخبر به الصادق من الأمور السمعية مما لا يستحيل على ما جاء وفوضت الأمر إلى خالق الأرض والسماء أسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه.
* (وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشبها ولهم فيهآ أزوج مطهرة وهم فيها خلدون) * * (وبشر الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات) * لما ذكر سبحانه وتعالى فيما تقدم الكفار وما يؤول إليه حالهم في الآخرة وكان في ذلك أبلغ التخويف والإنذار عقب بالمؤمنين وما لهم جريا على السنة الإلهية من شفع الترغيب بالترهيب والوعد بالوعيد لأن من الناس من لا يجديه التخويف ولا يجديه وينفعه اللطف، ومنهم عكس ذلك فكأن هذا وما بعده معطوف على سابقه عطف القصة على القصة، والتناسب بينهما باعتبار أنه بيان لحال الفريقين المتباينين وكشف عن الوصفين المتقابلين، وهل هو معطوف على * (وإن كنتم) * (البقرة: 23) إلى * (أعدت) * (البقرة: 24) أو على * (فإن لم تفعلوا) * (البقرة: 24) الآية قولان؟ اختار السيد أولهما، وادعى بعضهم أنه أقضى لحق البلاغة، وادعى لتلائم النظم لأن * (يا أيها الناس اعبدوا) * (البقرة: 21) خطاب عام يشمل الفريقين * (وإن كنتم) * الخ مختص بالمخالف ومضمونه الإنذار * (وبشر) * الخ مختص بالموافق ومضمونه البشارة كأنه تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس إلى عبادته، ثم أمر أن ينذر من عاند ويبشر من صدق، والسعد اختار ثانيهما لأن السوق لبيان حال الكفار ووصف عقابهم. وقيل عطف على * (فاتقوا) * (البقرة: 24) وتغاير المخاطبين لا يضر ك‍ * (يوسف أعرض عن هذا واستغفري) * (يوسف: 29) وترتبه على الشرط بحكم العطف باعتبار أن - اتقوا - إنذار وتخويف للكفار * (وبشر) * تبشيرا للمؤمنين، وكل منهما مترتب على عدم المعارضة بعدم التحدي لأن عدم المعارضة يستلزم ظهور إعجازه وهو يستلزم استيجاب منكره العقاب، ومصدقه الثواب لأن الحجة تمت والدعوة كملت، واستيجابهما إياهما يقتضي الإنذار والتبشير، فترتب الجملة الثانية على الشرط ترتب الأولى عليه بلا فرق، وقد يقال إن الجزاء (فآمنوا) محذوفا والمذكور قائم مقامه؛ فالمعنى إن لم تأتوا بكذا فآمنوا * (وبشر الذين آمنوا) * أي فليوجد إيمان منهم وبشارة منك ووضع الظاهر موضع الضمير، وفيه حث لهم على الإيمان، ولعله أقل مؤنة. واختار صاحب " الإيضاح " عطفه على - أنذر - مقدرا بعد جملة * (أعدت) * وقيل: عطف على - قل - قبل * (وإن لم تفعلوا) * وتقديره قبل * (يا أيها الناس) * (البقرة: 21) يحوج إلى إجراء * (مما نزلنا على عبدنا) * (البقرة: 23) على طريقة كلام العظماء، أو تقدير قال الله بعد قل، والبشارة - بالكسر والضم - اسم من بشر بشرا وبشورا - وتفتح الباء - فتكون بمعنى الجمال، وفي الفعل لغتان، التشديد وهي العليا، والتخفيف وهي لغة أهل تهامة، وقرىء بهما في المضارع في مواضع والتكثير في المشدد بالنسبة إلى المفعول، فإن واحدا كان فعل فيه مغنيا عن فعل، وفسروها في المشهور، وصحح بالخبر السار الذي ليس عند المختبر علم به، واشترط بعضهم أن يكون صدقا، وعن سيبويه إنها خبر يؤثر في البشرة حزنا أو سرورا وكثر استعماله في الخير، وصححه في " البحر " * (فبشرهم بعذاب أليم) * (آل عمران: 21) ظاهر عليه، ومن باب التهكم
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»