تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٠٢
فإن كرم ففردوس، وأطلقت على الأشجار نفسها ووردت في شعر الأعشى بمعنى النخل خاصة ثم نقلت وصارت حقيقة شرعية في دار الثواب إذ فيها من النعيم " مالا، ولا " مما هو مغيب الآن عنا، وجمعت جمع قلة في المشهور لقلتها عددا كقلة أنواع العبادات ولكن في كل واحدة منها مراتب شتى ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمال، وما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها سبع لم يقف على ثبوته الحفاظ، وتنوينها إما للتنويع أو للتعظيم، وتقديم الخبر لقرب مرجع الضمير وهو أسر للسامع، والشائع التقديم إذا كان الاسم نكرة ك‍ * (إن لنا لأجرا) * (الأعراف: 113) وتحت ظرف مكان لا يتصرف فيه بغير (من) كما نص عليه أبو الحسن، والضمير للجنات فإن أريد الأشجار فذاك مع ما فيه قريب في الجملة وإن أريد الأرض قيل - من تحت أشجارها - أو عاد عليها باعتبار الأشجار استخداما ونحوه، وقيل: إن تحت بمعنى جانب كداري تحت دار فلان وضعف كالقول - من تحت أوامر أهلها - وقيل: منازلها، وإن أريد مجموع الأرض والأشجار فاعتبار التحتية - كما قيل - بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق الجنة على الكل والوارد في الأثر الصحيح عن مسروق إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود، وهذا في أرض حصباؤها الدر والياقوت أبلغ في النزهة وأحلى في المنظر وأبهج للنفس: وتحدث الماء الزلال مع الحصى * فجرى النسيم عليه يسمع ما جرى والأنهار جمع نهر - بفتح الهاء وسكونها - والفتح أفصح، وأصله الشق، والتركيب للسعة ولو معنوية - كنهر السائل - بناء على أنه الزجر البليغ فأطلق على ما دون البحر وفوق الجدول، وهل هو نفس مجرى الماء أو الماء في المجرى المتسع؟ قولان: أشهرهما الأول، وعليه فالمراد مياهها أو ماؤها، وتأنيث * (تجري) * رعاية للمضاف إليه أو للفظ الجمع، وفي الكلام مجاز في النقص أو في الطرف (أولا، ولا) والإسناد مجازي، و - أل - للعهد الذهني قيل: أو الخارجي لتقدم ذكر الأنهار في قوله تعالى: * (فيها أنهار من ماء) * (محمد: 15) الآية فإنها مكية على الأصح، وذي مدنية نزلت بعدها، واستبعده السيد والسعد، وقيل: عوض عن المضاف إليه - أي أنهارها - وهو مذهب كوفي، وحملها على الاستغراق على معنى يجري تحت الأشجار جميع أنهار الجنة فهو وصف لدار الثواب بأن أشجارها على شواطىء الأنهار وأنهارها تحت ظلال الأشجار أبرد من الثلج، ولا يخفى الكلام على جمع القلة.
* (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) * صفة ثانية لجنات أخرت عن الأولى لأن جريان الأنهار من تحتها وصف لها باعتبار ذاتها، وهذا باعتبار سكانها أو خبر مبتدأ محذوف أي هم والقرينة ذكره في السابقة واللاحقة، وكون الكلام مسوقا لبيان أحوال المؤمنين، وفائدة حذف هذا المبتدأ تحقق التناسب بين الجمل الثلاثة صورة لأسميتها، ومعنى لكونها جواب سؤال كأنه قيل: ما حالهم في تلك الجنات؟ - فأجيب بأن لهم فيها ثمارا لذيذة عجيبة وأزواجا نظيفة * (وهم فيها خالدون) * وتقدير المبتدأ هو أو هي - للشأن أو القصة - ليس بشيء بناء على أنه لا يجوز حذف هذا الضمير، وإذا لم تدخله النواسخ لا بد أن يكون مفسره جملة اسمية، نعم جاز تقدير هي للجنات والجملة خبر إلا أن التناسب أنسب أو جملة مستأنفة - كأنه لما وصف الجنات بما ذكر وقع في الذهن أن ثمارها كثمار جنات الدنيا أولا فبين حالها * (ولهم فيها أزواج) * زيادة في الجواب ولو قدر السؤال نحو ألهم في الجنات لذات كما في هذه الدار أم أتم وأزيد؟ - كان أصح وأوضح،
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»