وجه وجيه في توجيهه، والمشهور أنه ليس لهذا فعل، وقيل يقال: دان يدين منه واستعماله بمعنى فضلا وعليه حمل قول أبي تمام: الود للقربى ولكن عرفه * للأبعد الأوطان (دون) الأقرب لم يسلمه أرباب التنقير نعم قالوا: يكون بمعنى وراء كأمام وبمعنى فوق ونقيضا له. و (من) لابتداء الغاية متعلقة بادعوا، ودون تستعمل بمعنى التجاوز في محل النصب على الحال، والمعنى ادعوا إلى المعارضة من يحضركم أو من ينصركم بزعمكم متجاوزين الله تعالى في الدعاء بأن لا تدعوه، والأمر للتعجيز والإرشاد أو ادعوا من دون الله من يقيم لكم الشهادة بأن ما أتيتم به مماثله فإنه لا يشهدون، ولا تدعوا الله تعالى للشهادة بأن تقولوا الله تعالى شاهد وعالم بأنه مثله فإن ذلك علامة العجز والانقطاع عن إقامة البينة والأمر حينئذ للتبكيت والشهيد على الأول بمعنى الحاضر، وعلى الثاني بمعنى الناصر، وعلى الثالث بمعنى القائم بالشهادة، قيل: ولا يجوز أن يكون بمعنى الإمام بأن يكون المراد بالشهداء الآلهة الباطلة لأن الأمر بدعاء الأصنام لا يكون إلا تهكما، ولو قيل: ادعوا الأصنام ولا تدعوا الله تعالى ولا تستظهروا به لانقلب الأمر من التهكم إلى الامتحان إذ لا دخل لإخراج الله تعالى عن الدعاء في التهكم، وفيه أن أي تهكم وتحميق أقوى من أن يقال لهم استعينوا بالجماد ولا تلتفتوا نحو رب العباد؟ ولا يجوز حينئذ أن تجعل دون بمعنى القدام إذ لا معنى لأن يقال ادعوها بين يدي الله تعالى أي في القيامة للاستظهار بها في المعارضة التي في الدنيا، وجوزوا أن تتعلق من ب * (شهداءكم) * وهي للابتداء أيضا، و * (دون) * بمعنى التجاوز في محل النصب على الحال والعامل فيه معنى الفعل المستفاد من إضافة الشهداء أعني الاتخاذ، والمعنى ادعوا الذين اتخذتموهم أولياء من دون الله تعالى، وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة، ويحتمل أن يكون * (دون) * بمعنى أمام حقيقة أو مستعارا من معناه الحقيقي الذي يناسبه أعني به أدنى مكان من الشيء وهو ظرف لغو معمول لشهداء ويكفيه رائحة الفعل فلا حاجة إلى الاعتماد ولا إلى تقدير ليشهدوا، و (من) للتبعيض كما قالوا في: * (من بين يديه ومن خلفه) * (الرعد: 11) لأن الفعل يقع في بعض الجهتين، وظاهر كلام الدماميني في " شرح التسهيل ": أنها زائدة، وهو مذهب ابن مالك، والجمهور على أنها ابتدائية، والمعنى ادعوا الذين يشهدون لكم بين يدي الله عز وجل على زعمكم، والأمر للتهكم، وفي التعبير عن الأصنام بالشهداء ترشيح له بتذكير ما اعتقدوه من أنها من الله تعالى بمكان، وأنها تنفعهم بشهادتهم كأنه قايل: هؤلاء عدتكم وملاذكم فادعوهم لهذه العظيمة النازلة بكم فلا عطر بعد عروس، وما وراء عبادان قرية - ولم تجعل * (دون) * بمعنى التجاوز لأنهم لا يزعمون شركته تعالى مع الأصنام في الشهادة فلا وجه للإخراج، وقيل يجوز أن تكون * (من) * للابتداء والظرف حال ويحذف من الكلام مضاف، والمعنى: ادعوا شهداءكم من فصحاء العرب وهم أولياء الأصنام متجاوزين في ذلك أولياء الله ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بمثله، والمقصود بالأمر حينئذ إرخاء العنان والاستدراج إلى غاية التبكيت كأنه قيل: تركنا إلزامكم بشهداء الحق إلى شهدائكم المعروفين بالذب عنكم فإنهم أيضا لا يشهدون لكم حذارا من اللائمة وأنفة من الشهادة ألبتة البطلان، كيف لا وأمر الإعجاز قد بلغ من الظهور إلى حيث لم يبق إلى إنكاره سبيل؟ وإخراج الله تعالى على بعض الوجوه لتأكيد تناول المستثنى منه بجميع ما عداه لا لبيان استبداده تعالى بالقدرة على ما كلفوه لإيهامه أنهم لو دعوه تعالى لأجابهم إليه وعلى بعض للتصريح من أول الأمر ببراءتهم منه تعالى وكونهم في عروة المحادة والمشاقة له قاصرين استظهارهم على ما سواه، والالتفات إما لإدخال الروع وتربية المهابة أو للإيذان بكمال سخافة عقولهم حيث آثروا على عبادة من له الألوهية الجامعة عبادة من لا أحقر منه والصدق مطابقة الواقع والمذاهب فيه مشهورة، وجواب * (إن) * محذوف
(١٩٦)