تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ١٩٩
وحملها على الذهب والفضة لأنهما يسميان حجرا - كما في " القاموس " - دون هذين القولين، الأصح أولهما: عند المحدثين وثانيهما: عند الزمخشري؛ ويشير إليه كلام الشيخ الأكبر قدس سره. وأل فيها على كل ليست للعموم، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها له، ويكون المعنى أن النار التي وعدوا بها صالحة لأن تحرق ما ألقي فيها من هذين الجنسين؛ فعبر عن صلاحيتها واستعدادها بالأمر المحقق، وذكر الناس والحجارة تعظيما لشأن جهنم وتنبيها على شدة وقودها ليقع ذلك في النفوس أعظم موقع ويحصل به من التخويف ما لا يحصل بغيره وليس المراد الحقيقة وهوخلاف الظاهر والمتبادر من الآيات، ويوشك أن يكون سوء ظن بالقدرة ولا يتوهم من الاقتصار على هذين الجنسين أن لا يكون في النار غيرهما بدليل ما ذكر في غير موضع من كون الجن والشياطين فيها أيضا، نعم قال سيدي الشيخ الأكبر قدس سره: أنهم لهبها وأولئك جمرها، وبدأ سبحانه بالناس لأنهم الذين يدركون الآلام أو لكونهم أكثر إيقادا من الجماد لما فيهم من الجلود واللحوم والشحوم ولأن في ذلك مزيد التخويف، وإنما عرف النار وجعل الجملة - صلة وأنها يجب أن تكون قصة معلومة لأن المنكر في سورة التحريم نزل أولا فسمعوه بصفته فلما نزل هذا بعد جاء معهودا فعرف وجعلت صفته صلة وكون الصفة كذلك الخطيب فيه هين لما أن المخاطب هناك المؤمنون، وظاهر أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن في كون سورة التحريم نزلت أولا مقالا فتأمل * (أعدت للكفرين) * ابتداء كلام قطع عما قبله مع أن مقتضى الظاهر أن يعطف على الصلة السابقة اعتناء بشأنه بجعله مقصودا بالذات بالإفادة مبالغة في الوعيد، وجعله استئنافا بيانيا بأن يقدر لمن أعدت أو لم كان وقودها كذا وكذا، فمع عدم مساعدة عطف - بشر - الآتي على البناء للمفعول عليه لأنه لا يصلح للجواب إلا أن يقال المعطوف على الاستئناف لا يجب أن يكون استئنافا يأبى عنه الذوق، أما الأول: فلأن السياق لا يقتضيه، وأما الثاني: فلأن المقصد من الصلة التهويل، فالسؤال - بلم كان شأن النار كذا - مما لا معنى له، والجواب غير واف به وجعله حالا من النار باضمار قد والخبر من أجزاء الصلة لذي الحال لا من ضمير * (وقودها) * للجمود أو لوقوع الفصل بالخبر الأجبني حينئذ - ليس بشيء إذ لا يحسن التقييد بهذه الحال إلا أن يقال إنها لازمة بمنزلة الصفة فيفيد المعنى الذي تفيده الصلة، ولذا قيل: إنها صلة بعد صلة وتعدد الصلات كالصفات والاخبار كثير بعاطف وبدونه كما نص عليه الإمام المرزوقي وإن لم يظفر به السعد، أو معطوف بحذف الحرف كما صرح به ابن مالك وجعله صلة. و * (وقودها الناس) * إما معترضة للتأكيد أو حال مما لا ينبغي أن يخرج عليه التنزيل، ومعنى: * (أعدت) * هيئت، وقرأ عبد الله (اعتدت) من العتاد بمعنى العدة، وابن أبي عبلة (أعدها الله للكافرين) والمراد إما جنسهم والمخاطبون داخلون فيهم دخولا أوليا أو هم خاصة ووضع الظاهر موضع ضميرهم حينئذ لذمهم وتعليل الحكم بكفرهم وكون الإعداد للكافرين لا ينافي دخول غيرهم فيها على جهة التطفل فلا حاجة إلى القول بأن نار العصاة غير نار الكفار. ثم ما يتبادر من الآية الكريمة أن النار مخلوقة الآن والله تعالى أعلم بمكانها في واسع ملكه، وجعل المستقبل لتحققه ماضيا - كنفخ في الصور - والإعداد مثله في * (أعد الله لهم مغفرة وأجرا) * (الأحزاب: 35) كما يقول المعتزلة خلاف الظاهر، والذي ذهب أهل الكشف إليه أنها مخلوقة غير أنها لم تتم وهي الآن عندهم دار حرروها هواء محترق لا جمر لها ألبتة ومن فيها من الزبانية في رحمة منعمون يسبحون الله تعالى لا يفترون وتحدث فيها الآلام بحدوث أعمال الإنس والجن الذين يدخلونها، ولذا يختلف عذاب داخليها وحدها بعد الفراغ من الحساب ودخول
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»