تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ١٩٣
ذكرهم الخناصر لأن ذلك قول بدلالة التضعيف على التكثير وهو إنما يكون غالبا في الأفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية نحو فتحت وقطعت، و (نزلنا) لم يكن معتديا قبل، وأيضا التضعيف الذي يراد به التكثير إنما يدل على كثرة وقوع الفعل وأما على أنه يجعل اللازم متعديا فلا، والفعل هنا كان لازما فكون التعدي مستفادا من التضعيف دليل على أنه للنقل لا للتكثير، وأيضا لو كان نزل مفيدا للتنجيم لاحتاج قوله تعالى: * (لولا نزل عليه القرآن) * (الفرقان: 25) * (ملكا رسولا) * الفرقان: 32) إلى تأويل، لمنافاة العجز الصدر، وكذا مثل * (ولا نزل عليه آية) * (الأنعام: 37) و * (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) * (الإسرار: 95) وقد قرىء بالوجهين في كثير مما لا يمكن فيه التنجيم والتكثير وجعل هذا غير التكثير المذكور في النحو وهو التدريج بمعنى الاتيان بالشيء قليلا قليلا كما ذكروه في تسللوا حيث فسروه بأنهم يتسللون قليلا قليلا قالوا: ونظيره تدرج وتدخل ونحوه رتبه أي أتى به رتبة رتبة ولم يوجد غير ذلك، فحينئذ تكون صيغة فعل بعد كونها للنقل دالة على هذا المعنى إما مجازا أو اشتراكا فلا يلزم اطراده بعيد لا سيما مع خفاء القرينة، وفي تعدي (نزل) بعلى إشارة إلى استعلاء المنزل على المنزل عليه وتمكنه منه وأنه صار كاللابس له بخلاف إلى إذ لا دلالة لها على أكثر من الانتهاء والوصول. وفي ذكره صلى الله عليه وسلم بعنوان العبودية مع الإضافة إلى ضمير الجلالة تنبيه على عظم قدره واختصاصه به وانقياده لأوامره، وفي ذلك غاية التشريف والتنويه بقدره صلى الله عليه وسلم: لا تدعني إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي وقرىء (عبادنا) فيحتمل أنه أريد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته لأن جدوى المنزل والهداية الحاصلة به لا تختص بل يشترك فيها المتبوع والتابع فجعل كأنه نزل عليهم، ويحتمل أنه أريد به النبيون الذين أنزل عليهم الوحي والرسول صلى الله عليه وسلم أول مقصود وأسبق داخل لأنه الذي طلب معاندوه بالتحدي في كتابه، وفيه إيذان بأن الارتياب فيه، ارتياب فيما أنزل من قبله لكونه مصدقا له ومهيمنا عليه، وبعضهم جعل الخطاب على هذا لمنكري النبوات الذين حكى الله تعالى عنهم بقوله: * (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) * (الأنعام: 91) وفي الآية التفات من الغائب إلى ضمير المتكلم وإلا لقال سبحانه - مما نزل على عبده - لكنه عدل سبحانه إلى ذلك تفخيما للمنزل أو المنزل عليه لا سيما وقد أتى ب (نا) المشعرة بالتعظيم التام وتفخيم الأمر رعاية لرفعة شأنه عليه الصلاة والسلام، والفاء من * (فأتوا) * جوابية وأمر السببية ظاهر، والأمر من باب التعجيز وإلقام الحجر كما في قوله تعالى: * (فأت بها من المغرب) * (البقرة: 258) وهو من الإتيان بمعنى المجيء بسهولة كيفما كان، ويقال في الخير والشر والاعيان والاعراض، ثم صار بمعنى الفعل والتعاطي ك‍ * (لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) * (التوبة: 54) وأصل * (فأتوا) * فأتيوا فأعل الإعلال المشهور، وأتى شذوذا حذف الفاء فقيل (ت وتوا) والتنوين في (سورة) للتنكير أي ائتوا بسورة ما وهي القطعة من القرآن التي أقلها ثلاث آيات، وفيه من التبكيت والتخجيل لهم في الارتياب ما لا يخفى.
و * (من مثله) * إما أن يكون ظرفا مستقرا صفة لسورة والضمير راجع إما ل (ما) التي هي عبارة عن المنزل أو للعبد وعلى الأول يحتمل أن تكون من للتبعيض أو للتبيين، والأخفش يجوز زيادتها في مثله، والمعنى بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة والأسلوب المعجز وهذا على الأخيرين ظاهر، وأما على التبعيض فلأنه لم يرد بالمثل مثل محقق معين للقرآن بل ما يماثله فرضا كما قيل: في مثلك لا يجهل، ولا شك أن بعضيتها للمماثل الفرضي لازمة
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»