الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ١٣٢
فارس فتحدثنا ما تحدثنا ثم قال لي صاحبي قم يا سلمان انطلق قلت لا دعني مع هؤلاء قال إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء يصومون الاحد إلى الاحد ولا ينامون هذا الليل فإذا فيهم مرجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة فكنت فيهم حتى أمسينا فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه فلما أمسينا قال ذاك الذي من أبناء الملوك هذا الغلام ما تصنعونه ليأخذه رجل منكم فقالوا خذه أنت فقال لي قم يا سلمان فذهب بي حتى أتى غاره الذي يكون فيه فقال لي يا سلمان هذا خبز وهذا أدم فكل إذا غرثت وصم إذا نشطت وصل ما بدا لك ونم إذا كسلت ثم قام في صلاته فلم يكلمني ولم ينظر إلى فأخذني الغم تلك السبعة الأيام لا يكلمني أحد حتى كان الاحد فانصرف إلى فذهبت إلى مكانهم الذي كانوا يجتمعون وهم يجتمعون كل أحد يفطرون فيه فيلقى بعضهم بعضا فيسلم بعضهم على بعض ثم لا يلتقون إلى مثله فرجعت إلى منزلنا فقال لي مثل ما قال لي أول مرة هذا خبز وهذا ادم فكل منه إذا غرثت وصم إذا نشطت وصل ما بدا لك ونم إذا كسلت ثم دخل في صلاته فلم يلتفت إلى ولم يكلمني إلى الاحد الآخر فأخذني غم حدثت نفسي بالفرار فقلت أصبر أحدين أو ثلاثة فلما كان الاحد رجعنا إليهم فافطروا واجتمعوا فقال لهم انى أريد بيت المقدس فقالوا له وما تريد إلى ذاك قال لا عهد به قالوا انا نخاف ان يحدث بك حدث فيليك غيرنا وكنا نحب ان نليك قال لا عهد به فلما سمعته يذكر ذاك فرحت قلت نسافر ونلقى الناس فيذهب عنى الغم الذي كنت أجد فخرجت أنا وهو وكان يصوم من الاحد إلى الاحد ويصلى الليل كله ويمشي بالنهار فإذا نزلنا قام يصلى فلم يزل ذاك دأبه حتى نزلنا بين المقدس وعلى الباب رجل مقعد يسال الناس فقال اعطني فقال ما معي شئ فدخلنا بيت المقدس فلما رآه أهل بيت المقدس بشوا به واستبشروا به فقال لهم غلامي هذا فاستوصوا به فانطلقوا بي فأطعموني خبزا ولحما ودخل في الصلاة فلم ينصرف إلى حتى كان يوم الاحد الآخر ثم انصرف فقال لي يا سلمان انى أريد أن أضع رأسي فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني فبلغ الظل الذي قال فلم أوقظه رحمة له مما رأيت من اجتهاده ونصبه فاستيقظ مذعورا فقال يا سلمان ألم أكن قلت لك إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني قلت بلى ولكن انما منعني رحمة لك لما رأيت من دأبك قال ويحك يا سلمان انى أكره ان يفوتني شئ من الدهر لم أعمل فيه لله خيرا ثم قال لي يا سلمان اعلم أن أفضل ديننا اليوم النصرانية قلت ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية كلمة ألقيت على لساني قال نعم يوشك ان يبعث نبي يا كل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإذا أدركته فاتبعه وصدقه قلت وان أمرني ان أدع النصرانية قال نعم فإنه نبي الله لا يأمر الا بالحق ولا يقول الا حقا والله لو أدركته ثم أمرني ان أقع في النار لوقعتها ثم خرجنا من بيت المقدس فمررنا على ذلك المقعد فقال له دخلت فلم تعطني وهذا تخرج فاعطني فالتفت فلم ير حوله أحدا قال فاعطني يدك فاخذ بيده فقال قم بإذن الله فقام صحيحا سويا فتوجه نحو أهله فاتبعته بصرى تعجبا مما رأيت وخرج صاحبي فأسرع المشي وتبعته فتلقاني رفقة من كلب اعراب فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقا فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة فاشتراني رجل من الأنصار فجعلني في حائط له من نخل كفنت وفيه ومن ثم تعلمت الخوص أشتري خوصا بدرهم فاعمله فأبيعه بدرهمين فارد درهما إلى الخوص وأستنفق درهما أحب ان آكل من عمل يدي فبلغنا ونحن بالمدينة ان رجلا خرج بمكة يزعم أن الله أرسله فمكثنا ما شاء الله أن نمكث فهاجر إلينا وقدم علينا فقلت والله لأجربنه فذهبت إلى السوق فاشتريت لحم جزور ثم طبخته فجعلت قصعة من ثريد فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه فقال ما هذه أصدقة أم هدية قلت بل صدقة فقال لأصحابه كلوا بسم الله وأمسك ولم يأكل فمكثت أياما ثم اشتريت لحما أيضا بدرهم فاصنع مثلها فاحتملتها حتى أتيته بها فوضعتها بين يديه فقال ما هذه صدقة أم هدية فقلت بل هدية فقال لأصحابه كلوا بسم الله وأكل معهم قلت هذا والله يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة فأسلمت فقلت له ذات يوم يا رسول الله أي قوم النصارى قال لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم قلت في نفسي أنا والله أحبهم قال وذاك حين بعث السرايا وجرد السيف فسرية تخرج وسرية تدخل والسيف يقطر قلت يحدث بي الآن انى أحبهم فيبعث إلى فيضرب عنقي فقعدت في البيت فجاءني الرسول ذات يوم فقال يا سلمان أجب رسول الله قلت هذا والله الذي كنت أحذر قلت نعم اذهب حتى ألحقك قال لا والله
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست