الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ٣١
وإذا قال الرب عز وجل مرحبا رحب له كل شئ وذهب عنه كل ضيق ثم يقول اذهبوا بهذه النفس الطيبة فادخلوها الجنة وأروها مقعدها واعرضوا عليها ما أعد لها من النعيم والكرامة ثم اهبطوا بها إلى الأرض فإني قضيت انى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فوالذي نفس محمد بيده هي أشد كراهة للخروج منها حين كانت تخرج من الجسد وتقول أين تذهبون بي إلى ذلك الجسد الذي كنت فيه فيقولون انا مأمورون بهذا فلا بد لك منه فيهبطون به على قدر فراغهم من غسله وأكفانه فيدخلون ذلك الروح بين الجسد وأكفانه فما خلق الله تعالى كلمة تكلم بها حميم ولا غير حميم الا وهو يسمعها الا انه لا يؤذن له في المراجعة فلو سمع أشد الناس له حبا ومن أعزهم كان عليه يقول على رسلكم ما يعجلكم وأذن له في الكلام للعنه وانه يسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم إذا ولوا عنه ثم يأتيه عند ذلك ملكان فظان غليظان يسميان منكرا ونكيرا ومعهما عصا من حديد لو اجتمع عليها الجن والإنس ما أقلوها وهي عليهما يسير فيقولان له أقعد بإذن الله فإذا هو مستو قاعدا فينظر عند ذلك إلى خلق كريه فظيع ينسيه ما كان رأى عند موته فيقولان له من ربك فيقول الله فيقولون فما دينك فيقول الاسلام ثم ينتهرانه عند ذلك انتهارة شديدة ثم يقولان فمن نبيك فيقول محمد صلى الله عليه وسلم ويعرق عند ذلك عرقا يبتل ما تحته من التراب ويصير ذلك العرق أطيب من ريح المسك وينادى عند ذلك من السماء نداء خفيا صدق عبدي فلينفعه صدقه ثم يفسح له في قبره مد بصره وينبذ له فيه الريحان ويستر بالحرير فان كان معه من القرآن شئ كفاه نوره وان لم يكن معه جعل له نور مثل الشمس في قبره ويفتح له أبواب وكوى إلى الجنة فينظر إلى مقعده منها مما كان عاين حين صعد به ثم يقال نم قرير العين فما نومه ذلك إلى يوم يقوم الا كنومة ينامها أحدكم شهية لم يرو منها يقوم وهو يمسح عينيه فكذلك نومه فيه إلى يوم القيامة وان كان غير ذلك إذا نزل به ملك الموت صف له سماطان من الملائكة نظموا ما بين الخافقين فيخطف بصره إليهم ما يرى غيرهم وان كنتم ترون انه ينظر إليكم ويشدد عليه وان كنتم ترون انه يهون عليه فيلعنونه ويقولون أخرجي أيتها النفس الخبيثة فقد أعد الله لك من النكال والنقمة والعذاب كذا وكذا ساء ما قدمت لنفسك ولا يزالون يسلونها في غضب وتعب وغلظ وشدة من كل ظفر وعضو ويموت الأول فالأول وتنشط نفسه كما يصنع السفود ذو الشعب بالصوف حتى تقع الروح في ذقنه فلهي أشد كراهية للخروج من الولد حين يخرج من الرحم مع ما يبشرونه بأنواع النكال والعذاب حتى تبلغ ذقنه فليس منه ملك الا وهو يتحاماه كراهية له فيتولى قبضها ملك الموت الذي وكل بها فيتلقاها أحسبه قال بقطعة من بجاد أنتن ما خلق الله وأخشنه فيلقى فيها ويفوح لها ريح أنتن ما خلق الله ويسد ملك الموت منخريه ويسدون آنافهم ويقولون اللهم العنها من روح والعنه جسدا خرجت منه فإذا صعد بها غلقت أبواب السماء دونها فيرسلها ملك الموت في الهواء حتى إذا دنت من الأرض انحدر مسرعا في أثرها فيقبضها بحديد معه يفعل بها ذلك ثلاث مرات ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق والسحيق البعيد ثم ينتهى بها فتوقف بين يدي الملك الجبار فيقول لا مرحبا بالنفس الخبيثة ولا بجسد خرجت منه ثم يقول انطلقوا بها إلى جهنم فاروها مقعدها منها واعرضوا عليها ما أعددت لها من العذاب والنقمة والنكال ثم يقول الرب اهبطوا بها إلى الأرض فإني قضيت انى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فيهبطون بها على قدر فراغهم منها فيدخلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه فما خلق الله حميما ولا غير حميم من كلمة يتكلم بها الا وهو يسمعها الا انه لا يؤذن له في المراجعة فلو سمع أعز الناس عليه وأحبهم إليه يقول أخرجوا به وعجلوا وأذن له في المراجعة للعنه وود انه ترك كما هو لا يبلغ به حفرته إلى يوم القيامة فإذا دخل قبره جاءه ملكان أسودان أزرقان فظان غليظان ومعهما مرزبة من حديد وسلاسل وأغلال ومقامع الحديد فيقولان له اقعد بإذن الله فإذا هو مستو قاعدا قد سقطت عنه أكفانه ويرى عند ذلك خلقا فظيعا ينسى به ما رأى قبل ذلك فيقولان له من ربك فيقول أنت فيفزعان عند ذلك فزعة ويقبضان ويضربانه ضربة بمطرقة الحديد فلا يبقى منه عضو الا وقع على حدة فيصيح عند ذلك صيحة فما خلق الله من شئ ملك أو غيره الا يسمعها الا الجن والإنس فيلعنونه عند ذلك لعنة واحدة وهو قوله أولئك يلعنهم الله
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»
الفهرست