الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ٢٥
في ملكوت السماوات رأى رجلا يزنى فدعا عليه فهلك ثم رفع فرأى رجلا يزنى فدعا عليه فهلك ثم رفع فرأى رجلا يزنى فدعا عليه فهلك ثم رأى رجلا يزنى فدعا عليه فهلك فقيل على رسلك يا إبراهيم انك عبد يستجاب لك وإني من عبدي على ثلاث اما ان يتوب إلى فأتوب عليه واما ان أخرج منه ذرية طيبة تعبدني واما ان يتمادى فيما هو فيه فان جهنم من ورائه * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض قال يعنى خلق السماوات والأرض وليكون من الموقنين فإنه جلى له الامر سره وعلانيته فلم يخف عليه شئ من أعمال الخلائق فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله انك لا تستطيع هذا فرده الله كما كان قبل ذلك * وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال ذكر لنا ان إبراهيم عليه السلام فربه من جبار مترف فجعل في سرب وجعل رزقه في أطرافه فجعل لا يمص أصبعا من أصابعه الا جعل الله له فيها رزقا فلما خرج من ذلك السرب أراه الله ملكوت السماوات والأرض وأراه شمسا وقمرا ونجوما وسحابا وخلقا عظيما وأراه ملكوت الأرض فرأى جبالا وبحورا وأنهارا وشجرا ومن كل الدواب وخلقا عظيما فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ذكر لنا أن الكوكب الذي رأى الزهرة طلعت عشاء قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين علم أن ربه دائم لا يزول فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربى رأى خلقا أكبر من الخلق الأول فلما أفل قال لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر أي أكبر خلقا من الخلقين الأولين وأبهى وأنور * وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى قال كان من شان إبراهيم عليه السلام ان أول ملك ملك في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة نمرود بن كنعان وسليمان بن داود وذو القرنين وبختنصر مسلمين وكافرين وانه اطلع كوكب على نمرود ذهب بضوء الشمس والقمر ففزع من ذلك فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عن ذلك فقالوا يخرج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك ملكك وكان مسكنه ببابل الكوفة فخرج من قريته إلى قرية أخرى وأخرج الرجال وترك النساء وأمر ان لا يولد مولود ذكر الا ذبحه فذبح أولادهم ثم انه بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عليها الا آزر أبا إبراهيم فدعاه فأرسله فقال له أنظر لا تواقع أهلك فقال له آزر انا أضن بديني من ذلك فلما دخل القرية نظر إلى أهله فلم يملك نفسه ان وقع عليها ففر بها إلى قرية بين الكوفة والبصرة يقال لها أدر فجعلها في سرب فكان يتعاهدها بالطعام وما يصلحها وان الملك لما طال عليه الامر قال قول سحرة كذابين ارجعوا إلى بلدكم فرجعوا وولد إبراهيم فكان في كل يوم يمر به كأنه جمعة والجمعة كالشهر من سرعة شبابه ونسى الملك ذاك وكبر إبراهيم ولا يرى أن أحدا من الخلق غيره وغير أبيه وأمه فقال أبو إبراهيم لأصحابه ان لي ابنا وقد خبأته فتخافون عليه الملك ان أنا جئت به قالوا لا فائت به فانطلق فأخرجه فلما خرج الغلام من السرب نظر إلى الدواب والبهائم والخلق فجعل يسأل أباه فيقول ما هذا فيخبره عن البعير انه بعير وعن البقرة انها بقرة وعن الفرس انها فرس وعن الشاة انها شاة فقال ما لهؤلاء الخلق بد من أن يكون لهم رب وكان خروجه حين خرج من السرب بعد غروب الشمس فرفع رأسه إلى السماء فإذا هو بالكوكب وهو المشترى فقال هذا ربى فلم يلبث ان غاب قال لا أحب ربا يغيب قال ابن عباس وخرج في آخر الشهر فلذلك لم ير القمر قبل الكوكب فلما كان آخر الليل رأى القمر فلما رأى القمر بازغا قد أطلع قال هذا ربى فلما أفل يقول غاب قال لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين فلما أصبح رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت فلما غابت قال يا قوم انى برئ مما تشركون قال الله له أسلم قال أسلمت لرب العالمين فجعل إبراهيم يدعو قومه وينذرهم وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطيها ولده فيبيعونها وكان يعطيه فينادى من يشترى ما يضره ولا ينفعه فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي ثم دعا أباه فقال يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هن في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي الآلهة وقالوا إذا كان حين نرجع رجعنا وقد برحت الآلهة من طعامنا فأكلنا فلما نظر إليهم إبراهيم والى ما بين أيديهم من الطعام
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست