الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ٢٢٠
المسجد الحرام ينتظر ما سمى له من الآيات فنحرت بقرة بالحزورة فانفلتت من جازرها تحمى نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم فجزرت تلك البقرة من مكانها حتى احتمل لحمها فاقبل غراب يهوى حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هناك فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب ما هذا الصنيع انما لم نكن نرميك بالجهل لم تحفر في مسجدنا فقال عبد المطلب انى لحافر هذا البئر ومجاهد من صدني عنها فطفق هو وولده الحارث وليس له ولد يومئذ غيره فسفه عليهما يومئذ ناس من قريش فنازعوهما وقاتلوهما وتناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه وصدقه واجتهاده في دينهم حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى نذران وفى له عشرة من الولدان ينحر أحدهم ثم حفر حتى أدرك سيوفا دقت في زمزم حين دفنت فلما رأت قريش انه قد أدرك السيوف قالوا يا عبد المطلب أجدنا مما وجدت فقال عبد المطلب هذه السيوف لبيت الله فحفر حتى انبط الماء في التراب وفجرها حتى لا تنزف وبنى عليها حوضا فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشربه الحاج فيكسره أناس حسدة من قريش فيصلحه عبد المطلب حين يصبح فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه فأري في المنام فقيل له قل اللهم لا أحلها لمغتسل ولكن هي للشاربين حل وبل ثم كفيتهم فقام عبد المطلب حين اختلفت قريش في المسجد فنادى بالذي أرى ثم أنصرف فلم يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش الا رمى في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته ثم تزوج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط فقال اللهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم وأني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت فاقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب اللهم هو أحب إليك أم مائة من الإبل ثم أقرع بينه وبين المائة من الإبل فطارت القرعة على المائة الإبل فنحرها عبد المطلب * وأخرج الأزرقي والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال عبد المطلب انى لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال أحفر طيبة قلت وما طيبة فذهب عنى فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم فقلت وما زمزم قال لا تنزف ولا تذم تسقى الحجيج الأعظم عند قرية النمل قال فلما أبان له شانها ودل على موضعها وعرف ان قد صدق غدا بمعول ومعه ابنه الحارث ليس له يومئذ غيره فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر فعرفت قريش انه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا يا عبد المطلب انها بئر إسماعيل وان لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها فقال ما أنا بفاعل ان هذا الامر خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم قالوا فأنصفنا فانا غير تاركيك حتى نحاكمك قال فجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم قالوا كاهنة من سعد هذيل قال نعم وكانت باشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بنى عبد مناف وركب من كل ركب من قريش نفر والأرض إذ ذاك مفاوز فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا انا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال ماذا ترون قالوا ما رأينا الا تبع لرأيك فمرنا بما شئت قال فإني أرى ان يحفر كل رجل منكم لنفسه لما بكم الآن من القوة كلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلا فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا قالوا سمعنا ما أردت فقام كل رجل منهم يحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه والله ان القاءنا بأيدينا لعجز ما نبتغي لأنفسنا حيلة عسى الله ان يرزقنا ماء ببعض البلاد ارحلوا فارتحلوا حتى فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون فقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشربوا واستقوا حتى ملؤا أسقيتهم ثم دعا القبائل التي معه من قريش فقال هلم الماء قد سقانا الله تعالى فاشربوا واستقوا فقالت القبائل التي نازعته قد والله قضى الله لك يا عبد المطلب علينا والله لا نخاصمك في زمزم فارجع إلى سقايتك راشدا فرجع ورجعوا معه ولم يمضوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم * وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وعمر بن شبة والفاكهاني في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط وابن عدي والبيهقي في سننه من طريق أبى
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست