وقوله عز وجل: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون)، قال السدي وغيره: سبب مجيئهم أن المجاعة اتصلت ببلادهم، وكان الناس يمتارون من عند يوسف، وهو في رتبة العزيز المتقدم، وكان لا يعطي الوارد أكثر من حمل بعير يسوي بين الناس، فلما ورد إخوته، عرفهم، ولم يعرفوه لبعد العهد وتغير سنه، ولم يقع لهم بسبب ملكه ولسانه القبطي ظن عليه، وروي في بعض القصص، أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم، فباحثهم بأن قال لهم بترجمان: " أظنكم جواسيس "، فاحتاجوا حينئذ إلى التعريف بأنفسهم، فقالوا: نحن أبناء رجل صديق، وكنا اثني عشر ذهب منا واحد في البرية، وبقي أصغرنا عند أبينا، وجئنا نحن للميرة، وسقنا بعير الباقي منا، وكنا عشرة، ولهم أحد عشر بعيرا، فقال لهم يوسف: ولم تخلف أحدكم؟ قالوا: لمحبة أبينا فيه، قال:
فأتوا بهذا الأخ، حتى / أعلم حقيقة قولكم، وأرى لم أحبه أبوكم أكثر منكم، إن كنتم صادقين، وروي في القصص أنهم وردوا مصر واستأذنوا على العزيز، وانتسبوا في الاستئذان، فعرفهم، وأمر بإنزالهم وأدخلهم في ثاني يوم على هيئة عظيمة لملكه، وروي أنه كان متلثما أبدا سترا لجماله، وأنه كان يأخذ الصواع، فينقره، ويفهم من طنينه صدق الحديث من كذبه، فسئلوا عن أخبارهم، فكلما صدقوا، قال لهم يوسف: صدقتم، فلما قالوا: وكان لنا أخ أكله الذئب، أطن يوسف الصواع، وقال: كذبتم، ثم تغير لهم، وقال:
أراكم جواسيس، وكلفهم سوق الأخ الباقي، ليظهر صدقهم في ذلك، في قصص طويل، جاءت الإشارة إليه في القرآن، " والجهاز " ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع.
وقوله: (بأخ لكم) * ص *: نكره، ليريهم أنه لا يعرفه، وفرق بين غلام لك، وبين غلامك، ففي الأول أنت جاهل به، وفي الثاني أنت عالم، لأن التعريف به يفيد نوع عهد في الغلام بينك وبين المخاطب، انتهى.
وقول يوسف: (ألا ترون أني أوفي الكيل...) الآية: يرغبهم في نفسه آخرا