تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٣١٩
قال: (إنه ربي أحسن مثواي)، فيحتمل أن يعود الضمير في " إنه " على الله عز وجل، ويحتمل أن يريد العزيز سيده، أي: فلا يصلح لي أن أخونه، وقد أكرم مثواي، وائتمنني، قال مجاهد وغيره: " ربي " معناه سيدي وإذا حفظ الآدمي لإحسانه فهو عمل زاك، وأحرى أن يحفظ ربه، والضمير في قوله: (إنه لا يفلح) مراد به الأمر والشأن فقط، وحكى بعض المفسرين أن يوسف عليه السلام لما قال: معاذ الله، ثم دافع الأمر باحتجاج وملاينة، امتحنه الله تعالى بالهم بما هم به، ولو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ودافع بعنف وتغيير، لم يهم بشئ من المكروه.
وقوله سبحانه: (وهم بها): اختلف في هم يوسف.
قال * ع *: والذي أقول به في هذه الآية: أن كون يوسف عليه السلام نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح، ولا تظاهرت به رواية، فإذا كان ذلك، فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشئ دون مواقعته، وأن يستصحب الخاطر الردئ، على ما في ذلك من الخطيئة، وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت، فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو الخاطر، ولا يصح عندي شئ مما ذكر من حل تكة، ونحو ذلك، لأن العصمة مع النبوة، وللهم بالشيء مرتبتان، فالخاطر المجرد دون استصحاب يجوز عليه، ومع استصحاب لا يجوز عليه، إذ الإجماع منعقد أن الهم بالمعصية واستصحاب التلذذ بها غير جائز، / ولا داخل في التجاوز.
* ت *: قال عياض: والصحيح إن شاء الله تنزيههم أيضا قبل النبوة من كل عيب، وعصمتهم من كل ما يوجب الريب، ثم قال عياض بعد هذا: وأما قول الله سبحانه:
(ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه)، فعلى طريق كثير من الفقهاء والمحدثين، أن هم النفس لا يؤاخذ به، وليس بسيئة، لقوله عليه السلام عن ربه: " إذا هم عبدي بسيئة، فلم يعملها كتبت له حسنة "، فلا معصية في همه إذن، وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين، فإن الهم إذا وطنت عليه النفس سيئة، وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها، فهو المعفو عنه، وهذا هو الحق، فيكون إن شاء الله هم يوسف من هذا، ويكون قوله: (وما أبرئ نفسي...) الآية [يوسف: 53]: أي:
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة