تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٧
وقيل: والكتاب أريد به الكتب المنزلة، والضمير في جعلناه يعود على القرآن، وإن لم يتقدم له صريح الذكر لدلالة المعنى عليه. وقال الزمخشري: جعلناه، بمعنى صيرناه، معدى إلى مفعولين، أو بمعنى خلقناه معدى إلى واحد، كقوله: * (وجعل الظلمات والنور) *. * (وقرءانا * عربيا) *: حال. ولعل: مستعارة لمعنى الإرداة، لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، أي خلقناه عربيا غير عجمي. أراد أن تعقله العرب، ولئلا يقولوا: * (لولا فصلت ءاياته) *. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال في كون القرآن مخلوقا. * (أم الكتاب) *: اللوح المحفوظ، لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب، وهذا فيه تشريف للقرآن، وترفيع بكونه. لديه عليا: على جميع الكتب، وعاليا عن وجوه الفساد. حكيما: أي حاكما على سائر الكتب، أو محكما بكونه في غاية البلاغة والفصاحة وصحة المعاني. قال قتادة وعكرمة والسدي: اللوح المحفوظ: القرآن فيه بأجمعه منسوخ، ومنه كان جبريل ينزل. وقيل: أم الكتاب: الآيات المحكمات، لقوله: * (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب) *، ومعناه: أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمات التي هي الأم. وقرأ الجمهور: في أم، بضم الهمزة، والإخوان بكسرها، وعزاها ابن عطية يوسف بن عمرو إلى العراق، ولم يعزها للإخوان عقلة منه. يقال: ضرب عن كذا، وأضرب عنه، إذا أعرض عنه. والذكر، قال الضحاك وأبو صالح: القرآن، أي افترائي عنكم القرآن. وقولهم: ضرب الغرائب عن الحوض، إذا أدارها ونحاها، وقال الشاعر:
* اضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس * وقيل: الذكر: الدعاء إلى الله والتخويف من عقابه. قال الزمخشري: والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر إنكارا؟ لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب وخلقه قرآنا عربيا لتعقلوه وتعملوا بموجبه. انتهى. وتقدم الكلام معه في تقديره فعلا بين الهمزة والفاء في نحو: * (أفلم يسيروا) *؟ * (أفلا تعقلون) *؟ وبينها وبين الواو في نحو: * (أو لم * يسيروا) *؟ كما وأن المذهب الصحيح قول سيبويه والنحويين: أن الفاء والواو منوي بهما التقديم لعطف ما بعدهما على ما قبلهما، وأن الهمزة تقدمت لكون الاستفهام له صدر الكلام، ولا خلاف بين الهمزة والحرف، وقد رددنا عليه قوله: وقال ابن عباس ومجاهد: المعنى: أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوا عنكم وعفوا عن إجرامكم؟ أن كنتم أو من أجل أن كنتم قوما مسرفين؟ أي هذا لا يصلح. ونحا قتادة إلى أن المعنى صفحا، أي معفوا عنه، أي نتركه. ثم لا تؤاخذون بقوله ولا بتدبره، ولا تنبهون عليه. وهذا المعنى نظير قول الشاعر:
* ثم الصبا صفحا بساكن ذي الفضا * وبصدع قلبي أن يهب هبوبها وقول كثير:
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة فمن مل منها ذلك الوصل ملت * وقال ابن عباس: المعنى: أفحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به؟ وقال الكلبي: أن نترككم هملا بلا أمر ولا نهي؟ وقال مجاهد أيضا: أن لا نعاقبكم بالتكذيب؟ وقيل: أن نترك الإنزال للقرآن من أجل تكذبيهم؟ وقرأ حسان بن عبد الرحمن الضبغي، والسميط بن عمير، وشميل بن عذرة: بضم الصاد، والجمهور: بفتحها، وهما لغتان،
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»