أقوال. وأفراد كتابها اكتفاء باسم الجنس لقوله: * (ووضع الكتاب) *، * (اليوم تجزون) *، * (هاذا كتابنا) *، هو الذي دعيت إليه كل أمة، وصحت إضافته إليه تعالى لأنه مالكه والآمر بكتبه وإليهم، لأن أعمالهم مثبتة فيه. والإضافة تكون بأدنى ملابسة، فلذلك صحت إضافته إليهم وإليه تعالى.
* * (ينطق عليكم) *: يشهد بالحق من غير زيادة ولا نقصان. * (إنا كنا نستنسخ) *: أي الملائكة، أي نجعلها تنسخ، أي تكتب. وحقيقة النسخ نقل خط من أصل ينظم فيه، فأعمال العباد كأنها الأصل. وقال الحسن: هو كتب الحفظة على بني آدم. وعن ابن عباس: يجعل الله الحفظة تنسخ من اللوح المحفوظ كل ما يفعل العباد، ثم يمسكونه عندهم، فتأتي أفعال العباد على نحو ذلك، فبعيد أيضا، فذلك هو الاستنساخ. وكان يقول ابن عباس: ألستم عربا؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟ ثم بين حال المؤمن بأنه يدخله في رحمته، وهو الثواب الذي أعد له، وأن ذلك هو الظفر بالبغية؛ وبين الكافر بأنه يوبخ ويقال له: * (وأما الذين كفروا أفلم تكن ءاياتى) * عن اتباعها والإيمان بها وكنتم أصحاب جرائم؟ والفاء في: أفلم ينوي بها التقديم؛ وإنما قدمت الهمزة لأن الاستفهام له صدرا الكلام، والتقدير: فيقال له ألم. وقال الزمخشري: والمعنى ألم يأتكم رسلي؟ فلم تكن آياتي تتلى عليكم، فحذف المعطوف عليه. انتهى. وقد تقدم الكلام معه في زعمه أن بين الفاء والواو، إذا تقدمها همزة الاستفهام معطوفا عليه محذوفا، ورددنا عليه ذلك.
وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد: * (وإذا قيل إن وعد الله) *، بفتح الهمزة، وذلك على لغة سليم؛ والجمهور: إن بكسرها. وقرأ الجمهور: * (والساعة) * بالرفع على الابتداء، ومن زعم أن لاسم إن موضعا جوز العطف عليه هنا، أو زعم أن لأن واسمها موضعا جوز العطف عليه، وبالعطف على الموضع لأن واسمها هنا. قال أبو علي: ذكره في الحجة، وتبعه الزمخشري فقال: وبالرفع عطفا على محل إن واسمها، والصحيح المنع؛ وحمزة: بالنصب عطفا على الله، وهي مروية عن الأعمش، وأبي عمرو، وعيسى، وأبي حيوة، والعبسي، والمفضل. * (إن نظن إلا ظنا) *، تقول: ضربت ضربا، فإن نفيت، لم تدخل إلا، إذ لا يفرغ بالمصدر المؤكد، فلا تقول: ما ضربت إلا ضربا، ولا ما قمت إلا قياما. فأما الآية، فتأول على حذف وصف المصدر حتى يصير مختصا لا مؤكدا، وتقديره: إلا ظنا ضعيفا، أو على تضمين نظن معنى نعتقد، ويكون ظنا مفعولا به. وقد تأول ذلك بعضهم على وضع إلا في غير موضعها، وقال: التقدير إن نحن إلا نظن ظنا. وحكى هذا عن المبرد، ونظيره ما حكاه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه من قول العرب:
ليس الطيب إلا المسك قال المبرد: ليس إلا الطيب المسك. انتهى. واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعا بعد إلا وأنت إذا قلت: ما كان زيد إلا فاضلا نصبت، فلما وقع بعد إلا ما يظهر أنه خبر ليس، احتاج أن يزحزح إلا عن موضعها، ويجعل في ليس ضمير الشأن، ويرفع إلا الطيب المسك على الابتداء والخبر، فيصير كالملفوظ به، في نحو: ما كان إلا زيد قائم. ولم يعرف المبرد أن ليس في مثل هذا التركيب عاملتها بنو تميم معاملة ما، فلم يعملوها إلا باقية مكانها، وليس غير عامله. وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك، ولا تميمي إلا وهو يرفع. في ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء، ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو. ونظير * (إن نظن إلا ظنا) * قول الأعشى:
* وجد به الشيب أثقاله * وما اغتره الشيب إلا اغترارا * أي اغترارا بينا. وقال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى * (إن نظن إلا ظنا) *؟ قلت؛ أصله نظن ظنا، ومعناه إثبات الظن مع نفي ما سواه، وزيد نفى ما سوى الظن توكيدا بقوله: * (وما نحن بمستيقنين) *. انتهى. وهذا الكلام ممن لا