عطية: إئتوا، من حيث المخاطبة له؛ والمراد: هو وإلهه والملك الوسيط الذي ذكره هو لهم؛ فجاء من ذلك جملة قيل لها إئتوا وإن كنتم. انتهى. ولما اعترفوا بأنهم ما يهلكهم إلا الدهر، وأنهم استدلوا على إنكار البعث بما لا دليل لهم فيه من سؤال إحياء آبائهم، رد الله تعالى عليهم بأنه تعالى هو المحيي، وهو المميت لا الدهر، وضم إلى ذلك آية جامعة للحساب يوم البعث، وهذا واجب الاعتراف به إن أنصفوا، ومن قدر على هذا قدر على الإتيان بآبائهم.
* (ولله ملك * السماوات والارض * ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون * وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هاذا كتابنا ينطق عليكم بالحق * إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون * فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته ذلك هو الفوز المبين * وأما الذين كفروا أفلم تكن ءاياتى تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين * وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندرى ما الساعة إن نظن إلا ظنا) *.
العامل في * (ويوم تقوم) *: يخسر، و * (يومئذ) *: بدل من يوم، قاله الزمخشري، وحكاه ابن عطية عن فرقة. والتنوين في يومئذ تنوين العوض عن جملة، ولم تتقدم جملة إلا قوله: * (ويوم تقوم الساعة) *، فيصير التقدير: ويوم تقوم يوم إذ تقوم إذ تقوم الساعة يخسر؛ ولا مزيد فائدة في قوله: يوم إذ تقوم الساعة، لأن ذلك مستفاد من ويوم تقوم الساعة. فإن كان بدلا توكيديا، وهو قليل، جاز ذلك، وإلا فلا يجوز أن يكون بدلا. وقالت فرقة العامل: في ويوم تقوم ما يدل عليه الملك، قالوا: وذلك أن يوم القيامة حال ثالثة ليست بالسماء ولا بالأرض، لأن ذلك يتبدل، فكأنه قال: * (ولله ملك * السماوات والارض) *، والملك يوم القيامة، فحذفه لدلالة ما قبله عليه؛ ويومئذ منصوب بيخسر، وهي جملة فيها استئناف، وإن كان لها تعلق بما قبلها من جهة تنوين العوض. و * (المبطلون) *: الداخلون في الباطل. * (جاثية) *: باركة على الركب مستوفرة، وهي هيئة المذنب الخائف. وقرئ: جاذية، بالذال؛ والجذو أشد استيفازا من الجثو، لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه. وعن ابن عباس: جاثية: مجتمعة. وعن قتادة: جماعات، من الجثوة: وهي الجماعة، يجمع على جثى، قال الشاعر:
* ترى جثوتين من تراب عليهما * صفائح صم من صفيح منضد وعن مورج السدوسي: جاثية: خاضعة، بلغة قريش. وعن عكرمة: جاثية: متميزة. وقرأ يعقوب: * (كل أمة تدعى) *، بنصب كل أمة على البدل، بدل النكرة الموصوفة من النكرة؛ والظاهر عموم كل أمة من مؤمن وكافر. قال الضحاك: وذلك عند الحساب. وقال يحيى بن سلام: ذلك خاص بالكفار، تدعى إلى كتابها المنزل عليها، فتحاكم إليه، هل وافقته أو خالفته؟ أو الذي كتبته الحفظة، وهو صحائف أعمالها، أو اللوح المحفوظ، أو المعنى إلى ما يسبق لها فيه، أي إلى حسابها،