تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٢٢
أما إذا كان منصوبا نحو: قليلا ضربت، أو قليلا ما ضربت، على أن تكون ما مصدرية، فإن ذلك لا يجور، لأنه في: قليلا ضربت منصوب بضربت، ولم تستعمل العرب قليلا إذا انتصب بالفعل نفيا، بل مقابلا لكثير. وأما في قليلا ما ضربت على أن تكون ما مصدرية، فتحتاج إلى رفع قليل، لأن ما المصدرية في موضع رفع على الابتداء. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بخلاف عنهما؛ والجحدري والحسن: يؤمنون، يذكرون: بالياء فيهما؛ وباقي السبعة: بتاء الخطاب؛ وأبي: بياءين. وقرأ الجمهور: * (تنزيل) * بالرفع؛ وأبو السمال: تنزيلا بالنصب.
وقرأ الجمهور: * (ولو تقول) *، والتقول أن يقول الإنسان عن آخر إنه قال شيئا لو يقله. وقرأ ذكوان وابنه محمد: يقول مضارع قال، وهذه القراءة معترضة بما صرحت به قراءة الجمهور. وقرئ: ولو تقول مبنيا للمفعول، وحذف الفاعل وقام المفعول مقامه، وهو بعض، إن كان قرىء مرفوعا؛ وإن كان قرىء منصوبا بعلينا قام مقام الفاعل، والمعنى: ولو تقول علينا متقول. ولا يكون الضمير في تقول عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم) لاستحالة وقوع ذلك منه، فنحن نمنع أن يكون ذلك على سبيل الفرض في حقه عليه الصلاة والسلام. والأقاويل جمع الجمع، وهو أقوال كبيت وأبيات، قال الزمخشري: وسمى الأقوال المنقولة أقاويل تصغيرا لها وتحقيرا، كقولك: الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول. والظاهر أن قوله: * (باليمين) * المراد به الجارحة. فقال الحسن: المعنى قطعناه عبرة ونكالا، والباء على هذا زائدة. وقيل: الأخذ على ظاهرة. قال الزمخشري: والمعنى: ولو ادعى مدع علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما تفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول، وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته، وخص اليمين على اليسار لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يلحفه بالسيف، وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف، أخذ بيمينه.
ومعنى * (لاخذنا منه باليمين) *: لأخذنا بيمينه، كما أن قوله تعالى * (لقطعنا منه الوتين) *: لقطعنا وتينة. انتهى، وهو قول للمتقدمين حسنه الزمخشري بتكثير ألفاظه ومصاغها قالوا: المعنى لأخذنا بيده التي هي اليمين على جهة الإذلال والصغار، كما يقول السلطان إذا أراد عقوبة رجل: يا غلام خذ بيده وافعل كذا، قاله أو قريبا منه الطبري. وقيل: اليمين هنا مجاز. فقال ابن عباس: باليمين: بالقوة، معناه لنلنا منه عقابه بقوة منا. وقال مجاهد: بالقدرة. وقال السدي: عاقبناه بالحق ومن على هذا صلة. وقال نفطويه: لقبضنا بيمينه عن التصرف. وقيل: لنزعنا منه قوته. وقيل: لأذللناه وأعجزناه.
* (ثم لقطعنا منه الوتين) *، قال ابن عباس: وهو نياط القلب. وقال مجاهد: حبل القلب الذي في الظهر وهو النخاع. والموتون الذي قطع وتينه، والمعنى: لو تقول علينا لأذهبنا حياته معجلا، والضمير في عنه الظاهر أنه يعود على الذي تقول، ويجوز أن يعود على القتل، أي لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه، والخطاب في منكم للناس، والظاهر في * (حاجزين) * أن يكون خبرا لما على لغة الحجاز، لأن حاجزين هو محط الفائدة، ويكون منكم لو تأخر لكان صفة لأحد، فلما تقدم صار حالا، وفي جواز هذا نظر. أو يكون للبيان، أو تتعلق بحاجزين، كما تقول: ما فيك زيد راغبا، ولا يمنع هذا الفصل من انتصاب خبر ما. وقال الحوفي والزمخشري: حاجزين نعت لأحد على اللفظ، وجمع على المعنى لأنه في معنى الجماعة يقع في النفي العام للواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ومنه: * (لا نفرق بين أحد من رسله) *، وقوله: * (لستن كأحد من النساء) *، مثل بهما الزمخشري، وقد تكلمنا على ذينك في موضعيهما. وفي الحديث: (لم تحل لأحد سود الرؤوس قبلكم). وإذا كان حاجزين نعتا فمن أحد مبتدأ والخبر منكم، ويضعف هذا القول، لأن النفي يتسلط على الخبر وهو كينونته منكم، فلا يتسلط على الحجز. وإذا كان حاجزين خبرا. تسلط النفي على ه وصار المعنى: ما أحد منكم يحجزه عن ما يريد به من ذلك.
* (وإنه لتذكرة) *: أي وإن القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم). * (وإنا لنعلم أن منكم مكذبين) *: وعيد، أي مكذبين بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم). * (وإنه لحسرة) *: أي القرآن من حيث كفروا به، ويرون من آمن به ينعم وهم معذبون. وقال مقاتل: وإن تكذيبهم بالقرآن لحسرة عليهم، عاد الضمير على
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»