تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٢٧
قيل: ما سؤاله؟ فقيل: سؤاله بعذاب، والظاهر اتصال الكافرين بواقع فيكون متعلقا به، واللام للعلة، أي نازل بهم لأجلهم، أي لأجل كفرهم، أو على أن اللام بمعنى على، قاله بعض النحاة، ويؤيده قراءة أبي: على الكافرين، أو على أنه في موضع، أي واقع كائن للكافرين. وقال قتادة والحسن: المعنى: كأن قائلا قال: لمن هذا العذاب الواقع؟ فقيل: للكافرين. وقال الزمخشري: أو بالفعل، أي دعاء للكافرين، ثم قال: وعلى الثاني، وهو ثاني ما ذكر من توجيهه في الكافرين. قال هو كلام مبتدأ جواب للسائل، أي هو للكافرين، وكان قد قرر أن سال ضمن معنى دعا، فعدى تعديته كأنه قال: دعا داع بعذاب من قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى: * (يدعون فيها بكل فاكهة ءامنين) *. انتهى. فعلى ما قرره أنه متعلق بدعا، يعني بسال، فكيف يكون كلاما مبتدأ جوابا للسائل أي هو للكافرين؟ هذا لا يصح. فقد أخذ قول قتادة والحسن وأفسده، والأجود أن يكون من الله متعلقا بقوله: * (واقع) *. و * (ليس له دافع) *: جملة اعتراض بين العامل والمعمول. وقيل: يتعلق بدافع، أي من جهته إذا جاء وقته.
* (ذي المعارج) *: المعارج لغة الدرج وهنا استعارة، قال ابن عباس وقتادة: في الرتب والفواضل والصفات الحميدة. وقال ابن عباس أيضا: المعارج: السماوات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء. وقال الحسن: هي المراقي إلى السماء، وقيل: المعارج: الغرف، أي جعلها لأوليائه في الجنة تعرج، قراءة الجمهور بالتاء على التأنيث، وعبد الله والكسائي وابن مقسم وزائدة عن الأعمش بالياء. * (والروح) *، قال الجمهور؛ هو جبريل، خص بالذكر تشريفا، وأخر هنا بعد الملائكة، وقدم في قوله: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) *. وقال مجاهد: ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم، لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا. وقيل: الروح ملك غير جبريل عظيم الخلقة. وقال أبو صالح: خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس. وقال قبيصة بن ذؤيب: روح الميت حين تقبض إليه، الضمير عائد على الله تعالى، أي إلى عرشه وحيث يهبط منه أمره تعالى. وقيل: إليه، أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بره وكرامته، والظاهر أن المعنى: أنها تعرج في يوم من أيامكم هذه، ومقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة، قاله ابن عباس وابن إسحاق وجماعة من الحذاق منهم القاضي منذر بن سعيد. فإن كان العارج ملكا، فقال مجاهد: المسافة هي من قعر الأرض السابعة إلى العرش؛ ومن جعل الروح جنس أنواع الحيوان، قال وهب: المسافة من وجه الأرض إلى منتهى العرش. وقال عكرمة والحكم: أراد مدة الدنيا، فإنها خمسون ألف سنة لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي، أي تعرج في مدة الدنيا وبقاء هذه البنية. وقال ابن عباس أيضا: هو يوم القيامة. وقيل: طوله ذلك العدد، وهذا ظاهر ما جاء في الحديث في مانع الزكاة فإنه قال: * (فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) *. وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري: قدره في رزاياه وهوله وشدته للكفار ذلك العدد. وفي الحديث: (يخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة). وقال عكرمة مقدار: ما ينقضي فيه من الحساب قدر ما يقضي بالعدل في خمسين ألف سنة من أيام الدنيا. وقال الحسن: نحوه. وقيل: لا يراد حقيقة العدد، إنما أريد به طول الموقف يوم القيامة وما فيه من الشدائد، والعرب تصف أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر. قال الشاعر يصف أيام الفرح والسرور:
* ويوم كظل الرمح قصر طوله * دم الزق عنا واصطفاق المزاهر * والظاهر أن قوله: * (فى يوم) * متعلق بتعرج. وقيل: بدافع، والجملة من قوله: * (تعرج) * اعتراض. ولما كانوا قد سألوا استعجال العذاب، وكان السؤال على سبيل الاستهزاء والتكذيب، وكانوا قد وعدوا به، أمره تعالى بالصبر، ومن جعله من السيلان فالمعنى: أنه أشرف على الوقوع، والضمير في * (يرونه) * عائد على العذاب أو على اليوم، إذا أريد به يوم القيامة، وهذا الاستبعاد هو على سبيل الإحالة منهم. * (ونراه قريبا) *: أي هينا في قدرتنا، غير بعيد علينا ولا متعذر، وكل ما هو
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»