حض على الشيء: حمل على فعله بتوكيد. الغسلين، قال اللغويون: ما يجري من الجراح إذا غسلت. الوتين: عرق يتعلق به القلب، إذا انقطع مات صاحبه. وقال الكلبي: عرق بين العلباء والحلقوم، والعلباء: عصب العنق، وهما علباوان بينهما العرق. وقيل: عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر، ومنه قول الشماخ:
* إذا بلغتني وحملت رحلي * عرابة فاشرقي بدم الوتين * * (الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة * كذبت ثمود وعاد بالقارعة * فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية * وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية * وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة * فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية * إنا لما * طغى * الماء حملناكم فى الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية * فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة * وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهى يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية * يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) *.
هذه السورة مكية. ومناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر شيئا من أحوال السعداء والأشقياء، وقال: * (ذرنى ومن * يكذب بهاذا الحديث) *، ذكر حديث القيامة وما أعد الله تعالى لأهل السعادة وأهل الشقاوة، وأدرج بينهما شيئا من أحوال الذين كذبوا الرسل، كعاد وثمود وفرعون، ليزدجر بذكرهم وما جرى عليهم الكفار الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكانت العرب عالمة بهلاك عاد وثمود وفرعون، فقص عليهم ذلك.
* (الحاقة) *: المراد بها القيامة والبعث، قاله ابن عباس وغيره، لأنها حقت لكل عامل عمله. وقال ابن عباس وغيره: لأنها تبدي حقائق الأشياء. وقيل: سميت بذلك لأن الأمر يحق فيها، فهي من باب ليل نائم. والحاقة اسم فاعل من حق الشيء إذا ثبت ولم يشك في صحته. وقال الأزهري: حاققته فحققته أحقه: أي غالبته فغلبته. فالقيامة حاقة لأنها تحقق كل محاق في دين الله بالباطل، أي كل مخاصم فتغلبه. وقيل: الحاقة مصدر كالعاقبة والعافية، والحاقة مبتدأ، وما مبتدأ ثان، والحاقة خبره، والجملة خبر عن الحاقة، والرابط تكرار المبتدأ بلفظه نحو: زيد ما زيد، وما استفهام لا يراد حقيقته بل التعظيم، وأكثر ما يربط بتكرار المبتدأ إذا أريد، يعني التعظيم والتهويل. * (وما أدراك ما الحاقة) *: مبالغة في التهويل، والمعنى أن فيها ما لم يدر ولم يحط به وصف من أمورها الشاقة وتفصيل أوصافها. وما استفهام أيضا مبتدأ، * (* وأدراك) * الخبر، والعائد على ما ضمير الرفع في * (وما أدراك) *، وما مبتدأ، والحاقة خبر، والجملة في موضع نصب بأدراك، وأدراك معلقة. وأصل درى أن يعدى بالباء، وقد تحذف على قلة، فإذا دخلت همزة النقل تعدى إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بحرف الجر، فقوله: * (ما الحاقة) * بعد أدراك في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر.
والقارعة من أسماء القيامة، لأنها تقرع القلوب بصدمتها. وقال الزمخشري: تقرع الناس بالأقراع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار؛ فوضع الضمير ليدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدتها. ولما ذكرها وفخمها، أتبع ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم. انتهى.
وقرأ الجمهور: * (فأهلكوا) *: رباعيا مبنيا للمفعول؛ وزيد بن علي: فهلكوا مبنيا للفاعل. قال قتادة: بالطاغية: بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة. وقال مجاهد وابن زيد: بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها. وقال ابن عباس وابن زيد أيضا وأبو عبيدة ما معناه: الطاغية مصدر كالعاقبة، فكأنه قال: بطغيانهم، ويدل عليه