تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٦٧
فكذلك في خبر كان.
* (والمؤتفكة) *: هي مدائن قوم لوط بإجماع من المفسرين، وسميت بذلك لأنها انقلبت، ومنه الإفك، لأنه قلب الحق كذبا، أفكه فأئتفك. قيل: ويحتمل أن يراد بالمؤتفكة: كل ما انقلبت مساكنه ودبرت أماكنه. * (أهوى) *: أي خسف بهم بعد رفعهم إلى السماء، رفعها جبريل عليه السلام، ثم أهوى بها إلى الأرض. وقال المبرد: جعلها تهوي. وقرأ الحسن: والمؤتفكات جمعا، والظاهر أن أهوى ناصب للمؤتفكة، وأخر العامل لكونه فاصلة. ويجوز أن يكون * (والمؤتفكة) * معطوفا على ما قبله، و * (أهوى) * جملة في موضع الحال يوضح كيفية إهلاكهم، أي وإهلاك المؤتفكة مهويا لها. * (فغشاها ما غشى) *: فيه تهويل للعذاب الذي حل بهم، لما قلبها جبريل عليه السلام اتبعت حجارة غشيتهم. واحتمل أن يكون فعل المشدد بمعنى المجرد، فيتعدى إلى واحد، فيكون الفاعل ما، كقوله تعالى: * (فغشيهم من اليم ما غشيهم) *.
* (فبأى آلاء ربك تتمارى) *: الباء ظرفية، والخطاب للسامع، وتتمارى: تتشكك، وهو استفهام في معنى الإنكار، أي آلاؤه، وهي النعم لا يتشكك فيها سامع، وقد سبق ذكر نعم ونقم، وأطلق عليها كلها آلاء لما في النقم من الزجر والوعظ لمن اعتبر. وقرأ يعقوب وابن محيصن: ربك تمارى، بتاء واحدة مشددة. وقال أبو مالك الغفاري: إن قوله: * (أن لا * تزر) * إلى قوله: * (تتمارى) * هو في صحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام. * (هاذا نذير) *، قال قتادة ومحمد بن كعب وأبو جعفر: الإشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، افتتح أول السورة به، واختتم آخرها به. وقيل: الإشارة إلى القرآن. وقال أبو مالك: إلى ما سلف من الأخبار عن الأمم، أي هذا إنذار من الإنذارات السابقة، والنذير يكون مصدرا أو اسم فاعل، وكلاهما من أنذر، ولا يتقاسان، بل القياس في المصدر إنذار، وفي اسم الفاعل منذر؛ والنذر إما جمع للمصدر، أو جمع لاسم الفاعل. فإن كان اسم فاعل، فوصف النذر بالأولى على معنى الجماعة.
ولما ذكر إهلاك من تقدم ذكره، وذكر قوله: * (هاذا نذير) *، ذكر أن الذي أنذر به قريب الوقوع فقال: * (أزفت الازفة) *: أي قربت الموصوفة بالقرب في قوله: * (اقتربت الساعة) *، وهي القيامة. * (ليس لها من دون الله كاشفة) *: أي نفس كاشفة تكشف وقتها وتعلمه، قاله الطبري والزجاج. وقال القاضي منذر بن سعيد: هو من كشف الضر ودفعه، أي ليس لها من يكشف خطبها وهو لها. انتهى. ويجوز أن تكون الهاء في كاشفة للمبالغة. وقال الرماني وجماعة: ويحتمل أن يكون مصدرا، * (* كالعاقبة) *، * (وتلذ الاعين) *، أي ليس لها كشف من دون الله. وقيل: يحتمل أن يكون التقدير حال كاشفة. * (أفمن هاذا الحديث) *. وهو القرآن، * (تعجبون) * فتنكرون، * (وتضحكون) * مستهزئين، * (ولا تبكون) * جزعا من وعيده. * (وأنتم سامدون) *، قال مجاهد: معرضون. وقال عكرمة: لاهون. وقال قتادة: غافلون. وقال السدي: مستكبرون. وقال ابن عباس: ساهون. وقال المبرد: جامدون، وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلا عنه. وروي أنه عليه الصلاة والسلام لم ير ضاحكا بعد نزولها.
فاسجدوا: أي صلوا له، * (واعبدوا) *: أي أفردوه بالعبادة، ولا تعبدوا اللات والعزى ومناة والشعرى وغيرها من الأصنام. وخرج البغوي بإسناد متصل إلى عبد الله، قال: أول سورة نزلت فيها السجدة النجم، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا، والرجل أمية بن خلف. وروي أن المشركين سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). وفي حرف أبي وعبد الله: تضحكون بغير واو. وقرأ الحسن: تعجبون تضكحون، بغير واو وبضم التاء وكسر الجيم والحاء. وفي قوله: * (ولا تبكون) *، حض على البكاء عند سماع القرآن. والسجود هنا عند كثير من أهل العلم
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»