تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٤٨
والديمومة. وقيل: أل للعهد والإشارة إلى قوله: * (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم) *، أو إلى قوله: * (وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده) *. وقال الزمخشري: الفرق بين الحمدين وجوب الحمد في الدنيا، لأنه على نعمه متفضل بها، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة، وهي الثواب. وحمد الآخرة ليس بواجب، لأنه على نعمة واجبة الاتصال إلى مستحقها، إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم يلتذون به. انتهى، وفيه بعض تلخيص.
* (يعلم ما يلج فى الارض) *، من المياه. وقال الكلبي: من الأموات والدفائن. * (وما يخرج منها) *، من النبات. وقال الكلبي: من جواهر المعادن. * (وما ينزل من السماء) *، من المطر والثلج والبرد والصاعقة والرزق والملك. * (وما يعرج فيها) *، من أعمال الخلق. وقال الكلبي: وما ينزل من الملائكة. وقيل: من الأقضية والأحوال والأدعية والأعمال. وقيل: من الأنعام والعطاء. وقرأ علي، والسلمي: وما ينزل بضم الياء وفتح النون وشد الزاي، أي الله تعالى. وبلى جواب للنفي السابق من قولهم * (لا تأتينا الساعة) *، أي بلى لتأتينكم. وقرأ الجمهور: * (لتأتينكم) * بتاء التأنيث، أي الساعة التي أنكرتم مجيئها. وقرأ طلق عن أشياخه بياء الغيبة، أي ليتأتينكم البعث، لأنه مقصودهم من نفي الساعة أنهم لا يبعثون. وقال الزمخشري: أو على معنى الساعة، أي اليوم، أو على إسناده إلى الله على معنى ليتأتينكم أمر عالم الغيب كقوله: * (أو يأتى ربك) *، أي أمره. ويبعد أن يكون ضمير الساعة، لأنه مذهوب به مذهب التذكير، لا يكون إلا في الشعر، نحو قوله:
ولا أرض أبقل أبقالها ثم أكد الجواب بالقسم على البعث، واتبع القسم بقوله: * (عالم الغيب) * وما بعده، ليعلم أن إنباتها من الغيب الذي تفرد به تعالى. وجاء القسم بقوله: * (وربى) * مضافا إلى الرسول، ليدل على شدة القسم، إذ لم يأت به في الاسم المشترك بينه وبين من أنكر الساعة، وهو لفظ الله. وقرأ نافع، وابن عامر، ورويس، وسلام، والجحدري، وقعنب: * (عالم) * بالرفع على إضمار هو؛ وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون مبتدأ، والخبر لا * (يعزب) *. وقال الحوفي: أو خبره محذوف، أي عالم الغيب هو، وباقي السبعة: عالم بالجر. قال ابن عطية، وأبو البقاء: وذلك على البدل. وأجاز أبو البقاء أن تكون صفة، ويعني أن عالم الغيب يجوز أن يتعرف، وكذا كل ما أضيف إلى معرفة مما كان لا يتعرف بذلك يجوز أن يتعرف بالإضافة، إلا الصفة المشبهة فلا تتعرف بإضافة. ذكر ذلك سيبويه في كتابة، وقل من يعرفه. وقرأ ابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي: علام على المبالغة والخفض، وتقدمت قراءة يعزب في يونس.
وقرأ الجمهور: * (ولا أصغر من ذالك ولا أكبر) *، برفع الراءين، واحتمل أن يكون معطوفا على * (مثقال) *، وأن يكون مبتدأ، والخبر في قوله: * (إلا فى كتاب) *. وعلى الاحتمال الأول، يكون * (إلا فى كتاب مبين) * توكيدا لما تضمن النفي في قوله: * (لا يعزب) *، وتقديره: لكنه في كتاب مبين، وهو كناية عن ضبط الشئ والتحفظ به، فكأنه في كتاب، وليس ثم كتاب حقيقة. وعلى التخريج الأول، يكون الكتاب هو اللوح المحفوظ. وقرأ الأعمش، وقتادة: بفتح الراءين. قال ابن عطية: عطفا على * (ذرة) *. ورويت عن أبي عمرو، وعزاها أيضا إلى نافع، ولا يتعين ما قال، بل تكون لا لنفي الجنس، وهو مبتدأ، أعني مجموع لا وما بني معها على مذهب سيبويه، والخبر * (إلا فى كتاب مبين) *، وهو من عطف الجمل، لا من عطف المفردات، كما قال ابن عطية.
وقال الزمخشري: جوابا لسؤال من قال: هل جاز عطف * (ولا أصغر) * على * (مثقال) *، وعطف * (ولا أصغر) * على * (ذرة) *؟ قلت: يأبى ذلك حرف الاستثناء، إلا إذا جعلت الضمير في عنه للغيب، وجعلت الغيب اسما للخفيات قبل أن تكتب في اللوح، لأن إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يزول عنه إلا
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»