والظاهر عموم المؤمنين. وقيل لمن آمن من بني إسرائيل والقضاء والحكم، وإن ظهر أنهما مترادفان، فقيل: المراد به هنا العدل، أي بعدله، لأنه لا يقضي إلا بالعدل، وقيل: المراد بحكمته والحكم. قيل: ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه، بكسر الحاء وفتح الكاف، جمع حكمة، وهو جناح بن جيش. ولما كان القضاء يقتضي تنفيذ ما يقضي به، والعلم بما يحكم به، جاءت هاتان الصفتان عقبه، وهو العزة: أي الغلبة والقدرة والعلم، ثم أمره تعالى بالتوكل عليه، وأخبره أنه على الحق الواضح الذي لا شك فيه، وهو كالتعليل للتوكل، وفيه دليل على أن من كان على الحق يحق له أن يثق بالله، فإنه ينصره ولا يخذله.
ولما كان القرآن وما قص الله فيه لا يكاد يجدي عندهم، أخبر تعالى عنهم أنهم موتى القلوب، أو شبهوا بالموتى، وإن كانوا أحياء صحاح الأبصار، لأنهم إذا تلي عليهم لا تعيه آذانهم، فكانت حالهم لانتفاء جدوى السماع كحال الموتى. وقرأ الجمهور: * (ولا تسمع الصم) * هنا، وفي الروم بضم التاء وكسر الميم، الصم بالرفع، ولما كان الميت لا يمكن أن يسمع، لم يذكر له متعلق، بل نفي الإسماع، أي لا يقع منك إسماع لهم البتة لعدم القابلية. وأما الأصم فقد يكون في وقت يمكن إسماعه وسماعه، فأتى بمتعلق الفعل وهو الدعاء. وإذا معمولة لتسمع، وقيد نفي الإسماع أو السماع بهذا الطرف وما بعده على سبيل التأكيد لحال الأصم، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي مدبرا، كان أبعد عن إدراك صوته.
شبههم أولا بالموتى، ثم بالصم في حالة، ثم بالعمي، فقال: * (وما أنت بهادى العمى) * حيث يضلون الطريق، فلا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ويحولهم هداة بصراء إلا الله تعالى. وقرأ الجمهور: بهادي العمى، اسم فاعل مضاف؛ ويحيى بن الحارث، وأبو حيوة: بهاد، منونا العمي؛ والأعمش، وطلحة، وابن وثاب، وابن يعمر، وحمزة: تهدي، مضارع هدي، العمي بالنصب؛ وابن مسعود: وما أنت تهتدي، بزيادة أن بعد ما، ويهتدي مضارع اهتدى، والعمي بالرفع، والمعنى: ليس في وسعك إدخال الهدى في قلب من عمي عن الحق ولم ينظر إليه بعين قلبه. * (وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم) *، وهم الذين علم الله أنهم يصدقون بآياته. * (فهم مسلمون) *: منقادون للحق. وقال الزمخشري: مسلمون مخلصون، من قوله: * (بلى من أسلم وجهه لله) *، بمعنى جعله سالما لله خالصا. انتهى.
* (وإذا وقع القول عليهم) *: أي إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي من الله، كقوله: * (حقت كلمة العذاب) *، فالمعنى: إذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه فيهم من العذاب، أخرج لهم دابة تنفذ من الأرض. ووقع: عبارة عن الثبوت واللزوم والقول، إما على حذف مضاف، أي مضمون القول، وإما أنه أطلق القول على المقول، لما كان المقول مؤدي بالقول، وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب. وقال ابن مسعود: * (وقع القول عليهم) * يكون بموت العلماء، وذهاب العلم، ورفع القرآن. انتهى. وروي أن خروجها حين ينقطع الخبر، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا نائب. وفي الحديث: (أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط)، ولم يعين الأول، وكذلك الدجال؛ وظاهر الأحاديث أن طلوع الشمس آخرها، والظاهر أن الدابة التي تخرج هي واحدة. وروي أنه يخرج في كل بلد دابة مما هو مثبوت نوعها في الأرض، وليست واحدة، فيكون قوله: * (دابة) * اسم جنس. واختلفوا في ماهيتها، وشكلها، ومحل خروجها، وعدد خروجها، ومقدار ما تخرج منها، وما تفعل بالناس، وما الذي تخرج به، اختلافا مضطربا معارضا بعضه بعضا، ويكذب بعضه بعضا؛ فاطرحنا ذكره، لأن نقله تسويد للورق بما لا يصح، وتضييع لزمان نقله.
والظاهر أن قوله: * (تكلمهم) *، بالتشديد، وهي قراءة الجمهور، من الكلام؛ ويؤيده قراءة أبي: تنبئهم، وفي بعض القراءات: تحدثهم، وهي قراءة يحيى بن سلام؛ وقراءة عبد الله: بأن الناس. قال السدي: تكلمهم ببطلان سائر الأديان سوى الإسلام. وقيل: نخاطبهم، فتقول للمؤمن: هذا مؤمن، وللكافر: هذا كافر. وقيل معنى تكلمهم: تجرحهم من الكلم، والتشديد للتكثير؛ ويؤيده قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وأبي زرعة،