تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٨٨
بهمزة داخلة على ادارك، فيسقط همزة الوصل المجتلبة، لأجل الإدغام والنطق بالساكن. وقرأ ابن مسعود أيضا: بل أأدرك، بهمزتين، همزة الاستفهام وهمزة أفعل. وقرأ الحسن أيضا، والأعرج: بل ادرج، بهمزة وإدغام فاء الكلمة، وهي الدال في تاء افتعل، بعد صيرورة التاء دالا. وقرأ ورش في رواية: بل ادرك، بحذف همزة أدرك ونقل حركتها إلى اللام. وقرأ ابن عباس أيضا: بلى أدرك، بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي. وقرئ: بل آأدرك، بألف بين الهمزتين. فأما قراءة من قرأ بالاستفهام، فقال ابن عباس: هو للتقريع بمعنى لم يدرك علمهم على الإنكار عليهم. وقال الزمخشري: هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك قراءة من قرأ: أم ادرك، وأم تدارك، لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة. انتهى. وقال ابن عطية: هو على معنى الهزء بالكفرة والتقرير لهم على ما هو في غاية البعد عنهم، أي اعلموا أمر الآخرة وادركها علمهم. وأما قراءة من قرأ على الخبر، فقال ابن عباس: المعنى: بل تدارك علمهم ما جهلوه في الدنيا، أي علموه في الآخرة، بمعنى: تكامل علمهم في الآخرة بأن كل ما وعدوا به حق، وهذا حقيقة إثبات العلم لهم، لمشاهدتهم عيانا في الآخرة ما وعدوا به غيبا في الدنيا، وكونه بمعنى المضي، ومعناه الاستقبال، لأن الإخبار به صدق، فكأنه قد وقع. وقال ابن عطية: يحتمل معنيين: أحدهما: أنه تناهي علمهم، كما تقول: أدرك النبات وغيره، أي تناهى وتتابع علمهم بالآخرة إلى أن يعرفوا لها مقدارا فيؤمنوا، وإنما لهم ظنون كاذبة؛ أو إلى أن لا يعرفوا لها وقتا، وتكون في بمعنى الباء متعلقة بعلمهم، وقد تعدى العلم بالباء، كما تقول: علمي بزيد كذا، ويسوغ حمل هذه القراءة على معنى التوقيف الاستفهام، وجاء إنكارا لأنهم لم يدركوا شيئا نافعا. والثاني: أن أدرك: بمعنى يدرك، أي علمهم في الآخرة يدرك وقت القيامة، ويرون العذاب والحقائق التي كذبوا بها، وأما في الدنيا فلا. وهذا تأويل ابن عباس، ونحا إليه الزجاج، وفي علي بابها من الظرفية متعلقة بتدارك. انتهى، وفيه بعض تلخيص وزيادة. وقال الزمخشري: هو على وجهين: أحدهما: أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة لا ريب فيها قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون، وذلك قوله: * (بل هم فى شك منها بل هم منها عمون) *، يريد المشركين ممن في السماوات والأرض، لأنهم لما كانوا في جملتهم نسل فعلهم إلى الجميع، كما يقال: بنو فلان فعلوا كذا، وإنما فعله ناس منهم. والوجه الثاني: أن وصفهم باستحكامه وتكامله تهكم بهم، كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك، على سبيل الهزء به، وذلك حيث شكوا وعموا عن إتيانه الذي هو طريق إلى علم مشكوك، فضلا عن أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته. وفي أدرك علمهم وادارك وجه آخر، وهو أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفني، من قولهم: أدركت الثمرة، لأن تلك غايتها التي عندها تعدم. وقد فسر الحسن باضمحل علمهم وتدارك، من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك. انتهى.
وقال الكرماني: العلم هنا بمعنى الحكم والقول، أي تتابع منهم القول والحكم في الآخرة، وكثرة منهم الخوض فيها، فنفاها بعضهم، وشك فيها بعضهم، واستبعدها بعضهم. وقال الفراء: بل أدرك، فيصير بمعنى الجحد، ولذلك نظائر؛ أي لم يعلموا حدوثها وكونها، ودل على ذلك * (بل هم فى شك منها) *، فصارت في في الكلام بمعنى الباء، أي لم يدرك علمهم بالآخرة. قال الفراء: ويقوي هذا الوجه قراءة من قرأ: أدرك، بالاستفهام. انتهى. وأما قراءة من قرأ بلى بحرف الجواب بدل بل، فقال أبو حاتم: إن كان بلى جوابا لكلام تقدم، جاز أن يستفهم به، كأن قوما أنكروا ما تقدم من القدرة، فقيل لهم: بلى إيجابا لما نفوا، د ثم استؤنف بعده الاستفهام وعودل بقوله تعالى: * (بل هم فى شك منها) *، بمعنى: أم هم في شك منها، لأن حروف العطف قد تتناوب، وكف عن الجملتين بقوله تعالى: * (بل هم منها عمون) *. انتهى. يعني أن المعنى: ادرك علمهم بالآخرة أم شكو؟ ف (بل) بمعنى أم، عودل بها الهمزة، وهذا ضعيف جدا، وهو أن تكون بل بمعنى أم وتعادل همزة الاستفهام.
قال الزمخشري: فإن قلت: فمن قرأ بلى أدرك؟ قلت: لما جاء ببلى بعد قوله: * (وما
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»