تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٠٢
سيما عقل امرأة خافت على ولدها حتى طرحته في اليم، رجاء نجاته من الذبح؛ هذا مع الوحي إليها أن الله يرده إليها ويجعله رسولا، ومع ذلك فطاش لبها وغلب عليها ما يغلب على البشر عند مفاجأة الخطب العظيم، ثم استكانت بعد ذلك لموعود الله. وقرأ أحمد بن موسى، عن أبي عمر وفؤاد: بالواو. وقال ابن عباس: فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى. وقال مالك: هو ذهاب العقل. وقالت فرقة: فارغا من الصبر. وقال ابن زيد: فارغا من وعد الله ووحيه إليها، تناسته من الهم. وقال أبو عبيدة: فارغا من الحزن، إذ لم يغرق، وهذا فيه بعد، وتبعده القراءات الشواذ التي في اللفظة. وقرأ فضالة بن عبيد، والحسن، ويزيد بن قطيب، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير: فزعا، بالزاي والعين المهملة، من الفزع، وهو الخوف والقلق؛ وابن عباس: قرعا، بالقاف وكسر الراء وإسكانها، من قرع رأسه، إذا انحسر شعره، كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى. وقيل: قرعا، بالسكون، مصدر، أي يقرع قرعا من القارعة، وهي الهم العظيم. وقرأ بعض الصحابة: فزغا، بالفاء مكسورة وسكون الزاي والغين المنقوطة، ومعناه: ذاهبا هدرا تالفا من الهم والحزن. ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال:
* فإن يك قتلي قد أصيبت نفوسهم * فلن تذهبوا فزغا بقتل حبال أي: بقتل حبال فزغا، أي هدرا لا يطلب له بثأر ولا يؤخذ. وقرأ الخليل بن أحمد: فرغا، بضم الفاء والراء. * (إن كادت لتبدى به) *: هي إن المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة. وقيل: إن نافية، واللام بمعنى إلا، وهذا قول كوفي، والإبداء: إظهار الشيء. والظاهر أن الضمير في به عائد على موسى عليه السلام، فقيل: الباء زائدة، أي: لتظهره. وقيل: مفعول تبدي محذوف، أي لتبدي القول به، أي بسببه وأنه ولدها. وقيل: الضمير في به للوحي، أي لتبدي بالوحي. وقال ابن عباس: كادت تصيح عند إلقائه في البحر وا ابناه. وقيل: عند رؤيتها تلاطم الأمواج به * (لولا أن ربطنا على قلبها) *. قال قتادة: بالإيمان. وقال السدي: بالعصمة . وقال الصادق: باليقين. وقال ابن عطاء: بالوحي، و * (لتكون من المؤمنين) *. فعلنا ذلك، أي المصدقين بوعد الله، وأنه كائن لا محالة. والربط على القلب كناية عن قراره وإطمئنانه، شبه بما يربط مخافة الانقلاب.
* وقال الزمخشري: ويجوز: وأصبح فؤادها فارغا من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه. * (إن كادت لتبدى) * بأنه ولدها، لأنها لم تملك نفسها فرحا وسرورا بما سمعت، لولا أنا طمأنا قلبها وسكنا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج. * (لتكون من المؤمنين) * الواثقين بوعد الله، لا بتبني فرعون وتعطفه. انتهى. وما ذهب إليه الزمخشري من تجويز كونه فارغا من الهم إلى آخره، خلاف ما فهمه المفسرون من الآية، وجواب لولا محذوف تقديره: لكادت تبدي به، ودل عليه قوله: * (إن كادت لتبدى به) *، وهذا تشبيه بقوله: * (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) *.
* (وقالت لاخته) *، طمعا منها في التعرف بحاله. * (قصيه) *: أي اتبعي أثره وتتبعي خبره. فروي أنها خرجت في سكك المدينة مختفية، فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يتطلبون له امرأة ترضعه، حين لم يقبل المراضع، واسم أخته مريم، وقيل: كلثمة، وقيل: كلثوم، وفي الكلام حذف، أي فقصت أثره. * (فبصرت به) *: أي أبصرته؛ * (عن جنب) *، أي عن بعد؛ * (وهم لا يشعرون) * بتطلبها له ولا بإبصارها. وقيل: معنى * (عن جنب) *: عن شوق إليه، حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال: هي لغة جذام، يقولون: جنبت إليك: اشتقت. وقال الكرماني: جنب صفة لموصوف محذوف، أي عن مكان جنب، يريد بعيد.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»