تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٩٢
والجحدري، وأبي حيوة، وابن أبي عبلة: تكلمهم، بفتح التاء وسكون الكاف مخفف اللام، وقراءة من قرأ: تجرحهم مكان تكلمهم. وسأل أبو الحوراء ابن عباس: تكلم أو تكلم؟ فقال: كل ذلك تفعل، تكلم المؤمن وتكلم الكافر. انتهى. وروي: أنها تسم الكافر في جبهته وتربده، وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه.
وقرأ الكوفيون، وزيد بن علي: * (إن الناس) *، بفتح الهمزة، وابن مسعود: بأن وتقدم؛ وباقي السبعة: إن، بكسر الهمزة، فاحتمل الكسر أن يكون من كلام الله، وهو الظاهر لقوله: * (بئاياتنا) *، واحتمل أن يكون من كلام الدابة. وروي هذا عن ابن عباس، وكسرت إن هذا على القول، إما على إضمار القول، أو على إجراء تكلمهم إجراء تقول لهم. ويكون قوله: * (بئاياتنا) * على حذف مضاف، أو لاختصاصها بالله؛ كما تقول بعض خواص الملك: خيلنا وبلادنا، وعلى قراءة الفتح، فالتقدير بأن كقراءة عبد الله، والظاهر أنه متعلق بتكلمهم، أي تخاطبهم بهذا الكلام. ويجوز أن تكون الباء المنطوق بها أو المقدرة سببية، أي تخاطبهم أو تجرحهم بسبب انتفاء إيقانهم بآياتنا.
* (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بئاياتنا فهم يوزعون * حتى إذا * أكذبتم بئاياتى ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون * ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون * ألم يروا أنا جعلنا اليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن فى ذلك لايات لقوم يؤمنون * ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السماوات ومن فى الارض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين * وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذى أتقن كل شىء إنه خبير بما تفعلون * من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون * ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم فى النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون * إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذى حرمها وله كل شىء وأمرت أن أكون من المسلمين * وأن أتلو القرءان فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين * وقل الحمد لله سيريكم ءاياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون) *.
أي اذكر يوم نحشر، والحشر: الجمع على عنف. * (من كل أمة) *: أي من الأمم، ومن هي للتبعيض. * (فوجا) *: أي جماعة كثيرة. * (ممن يكذب بئاياتنا) *: من للبيان، أي الذين يكذبون. والآيات: الأنبياء، أو القرآن، أو الدلائل، أقوال. * (فهم يوزعون) *: تقدم تفسيره في أول قصة سليمان من هذه السورة. وعن ابن مسعود، أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة: بين يدي أهل مكة، كذلك يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار. * (حتى إذا) *: أي إلى الموقف؛ * (جاءوا قال أكذبتم بئاياتى) *: استفهام توبيخ وتقريع وإهانة؛ * (ولم تحيطوا بها علما) *: الظاهر أن الواو للحال، أي أوقع تكذيبكم بها غير متدبرين لها ولا محيطين علما بكنهها؟ ويجوز أن تكون الواو للعطف، أي أجحدتموها: ومع جحودها لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها، فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه إليه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأه ويحيط بمعانيه علما. وقيل: * (ولم تحيطوا بها علما) *، أي يبطلانها حتى تعرضوا عنها، بل كذبتم جاهلين غير مستدلين. وأم هنا منقطعة، وينبغي أن تقدر ببل وحدها. انتقل من الاستفهام الذي يقتضي التوبيخ إلى الاستفهام عن عملهم أيضا على جهة التوبيخ، أي: أي شيء كنتم تعملون؟ والمعنى: إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوا، وليس لهم عمل ولا حجة فيما عملوه إلا الكفر والتكذيب. وماذا بجملته يحتمل أن يكون استفهاما منصوبا بخبر كان، وهو تعملون، وأن يكون ما هو الاستفهام، وذا موصول بمعنى الذي، فيكونان مبتدأ وخبرا، وكان صلة لذا والعائد محذوف، أي تعملونه. وقرأ أبو حيوة: أما ذا، بتخفيف الميم، أدخل أداة الاستفهام على اسم الاستفهام على سبيل التوكيد.
* (ووقع القول) *: أي العذاب الموعود به بسبب ظلمهم، وهو التكذيب بآيات الله. * (فهم لا ينطقون) *: أي بحجة ولا عذر لما شغلهم من عذاب الله. وقيل: يختم على أفواههم فلا ينطقون، وانتفاء
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»