تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٤٦
وأجاز الزمخشري أن يكون على حذف المضاف، أي على كل ذي قلب متكبر، بجعل الصفة لصاحب القلب. انتهى، ولا ضرورة تدعو إلى اعتقاد الحذف. وقرأ باقي السبعة: قلب متكبر بالإضافة، والمضاف فيه العام عام، فلزم عموم متكبر جبار. وقال مقاتل: المتكبر: المعاند في تعظيم أمر الله، والجبار المسلط على خلق الله.
* (وقال فرعون ياأيها * ياهامان ابن لى صرحا) *، أقوال فرعون: * (ذرونى أقتل موسى * ما أريكم إلا ما أرى * فرعون ياهامان ابن لى صرحا) *، حيدة عن محاجة موسى، ورجوع إلى أشياء لا تصح، وذلك كله لما خامره من الجزع والخوف وعدم المقاومة، والتعرف أن هلاكه وهلاك قومه على يد موسى، وأن قدرته عجزت عن التأثير في موسى، هذا على كثرة سفكه الدماء. وتقدم الكلام في الصرح في سورة القصص فأغنى عن إعادته. قال السدي: الأسباب: الطرق. وقال قتادة: الأبواب؛ وقيل: عنى لعله يجد، مع قربه من السماء، سببا يتعلق به، وما أداك إلى شيء فهو سبب، وأبهم أولا الأسباب، ثم أبدل منها ما أوضحها. والإيضاح بعد الإبهام يفيد تفخيم الشيء، إذ في الإبهام تشوق للمراد، وتعجب من المقصود، ثم بالتوضيح بحصل المقصود ويتعين. وقرأ الجمهور: فأطلع رفعا، عطفا على أبلغ، فكلاهما مترجي. وقرأ الأعرج، وأبو حيوة، وزيد بن علي، والزعفراني، وابن مقسم، وحفص: فأطلع، بنصب العين. وقال أبو القاسم بن جبارة، وابن عطية: على جواب التمني. وقال الزمخشري: على جواب الترجي، تشبيها للترجي بالتمني. انتهى. وقد فرق النحاة بين التمني والترجي، فذكروا أن التمني يكون في الممكن والممتنع، والترجي يكون في الممكن. وبلوغ أسباب السماوات غير ممكن، لكن فرعون أبرز ما لا يمكن في صورة الممكن تمويها على سامعيه. وأما النصب بعد الفاء في جواب الترجي فشئ أجازه الكوفيون ومنعه البصريون، واحتج الكوفيون بهذه القراءة وبقراءة عاصم، فتنفعه الذكرى في سورة عبس، إذ هو جواب الترجي في قوله: * (لعله * يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى) *. وقد تأولنا ذلك على أن يكون عطفا على التوهم، لأن خبر لعل كثيرا جاء مقرونا بأن في النظم كثيرا، وفي النثر قللا. فمن نصب، توهم أن الفعل المرفوع الواقع خبرا كان منصوبا بأن، والعطف على التوهم كثير، وإن كان لا ينقاس، لكن إن وقع شيء وأمكن تخريجه عليه خرج، وأما هنا، فأطلع، فقد جعله بعضهم جوابا للأمر، وهو قوله: * (ابن لى صرحا) *، كما قال الشاعر:
* يا ناق سيري عنقا فسيحا * إلى سليمان فنستريحا * ولما قال: * (فأطلع إلى إلاه موسى) *، كان ذلك إقرارا بإله موسى، فاستدرك هذا الإقرار بقوله: * (وإنى لاظنه كاذبا) *: أي في ادعاء الإلهية، كما قال في القصص: * (لعلى أطلع إلى إلاه موسى وإنى لاظنه من الكاذبين) *. * (وكذالك) * أي مثل ذلك التزيين في إيهام فرعون أنه يطلع إلى إله موسى. * (زين لفرعون سوء عمله) *. وقرأ الجمهور: * (زين لفرعون) * مبنيا للمفعول؛ وقرئ: زين مبنيا للفاعل. وقرأ الجمهور: * (وصد) * مبنيا للفاعل: أي وصد فرعون؛ والكوفيون: بضم الصاد مناسبا لزين مبنيا للمفعول؛ وابن وثاب: بكسر الصاد، أصله صدد، نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها؛ وابن إسحاق، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، بفتح الصاد وضم الدال، منونة عطفا على * (سوء عمله) *. والتباب: الخسران، خسر ملكه في الدنيا فيها بالغرق، وفي الآخرة بخلود النار، وتكرر وعظ المؤمن إثر كلام فرعون بندائه قومه مرتين، متبعا كل نداء بما فيه زجر واتعاظ لو وجد من يقبل، وأمر هنا باتباعه لأن يهديهم سبيل الرشاد. وقرأ معاذ بن جبل: بشد الشين، وتقدم الكلام على ذلك. والرد على من جعل هذه القراءة في كلام فرعون، وأجمل أولا في قوله: * (سبيل الرشاد) *، وهو سبيل الإيمان بالله واتباع شرعه. ثم فسر، فافتتح بذم الدنيا وبصغر شأنها، وأنها متاع زائل، هي ومن تمتع بها، وأن الآخرة هي دار القرار التي لا انفكاك منها، إما إلى جنة، وإما إلى نار. وكذلك قال: * (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها) *. وقرأ أبو رجاء، وشيبة، والأعمش، والإخوان،
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»