تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٤٧
والصاحبان، وحفص: * (يدخلون) * مبنيا للفاعل، وباقي السبعة، والأعرج، والحسن، وأبو جعفر، وعيسى: مبنيا للمفعول.
* (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يعرضون عليها غدا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء الذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار، قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد، وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
بدأ المؤمن بذكر المتسبب عن دعوتهم، وأبدى التفاضل بينهما. ولما ذكر المسببين، ذكر سببهما، وهو دعاؤهم إلى الكفر والشرك، ودعاؤه إياهم إلى الإيمان والتوحيد. وأتى بصيغة العزيز، وهو الذي لا نظير له، والغالب الذي العالم كلهم في قبضته يتصرف فيهم كما يشاء، الغفار لذنوب من رجع إليه وآمن به، وأوصل سبب دعائهم بمسببه، وهو الكفر والنار، وأخر سبب مسببه ليكون افتتاح كلامه واختتامه بما يدعو إلى الخير. وبدأ أولا بجملة اسمية، وهو استفهام المتضمن التعجب من حالتهم، وختم أيضا بجملة اسمية ليكون أبلغ في توكيد الأخبار. وجاء في حقهم * (وتدعونني) * بالجملة الفعلية التي لا تقتضي توكيدا، إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها، فتؤكد. و * (ما ليس لى به علم) * هي الأوثان، أي لم يتعلق به علمي، إذ ليس لها مدخل في الألوهية ولا لفرعون. قال الزمخشري: فإن قلت: لم جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني؟ قلت: لأن الثاني داخل في كلام هو بيان للمجمل وتفسير له، فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو، وأما الثالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة. انتهى. وتقدم الكلام على لا جرم.
وقال الزمخشري هنا، وروي عن العرب: لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء، يريد لا بد، وفعل وفعل أخوان، كرشد ورشد، وعدم وعدم. * (إنما) *: أي أن الذي تدعونني إليه، أي إلى عبادته، * (ليس له دعوة) *، أي قدر وحق يجب أن يدعى إليه، أوليس له دعوة إلى نفسه، لأن الجماد لا يدعو، والمعبود بالحق يدعو العباد إلى طاعته، ثم يدعو العباد إليها إظهارا لدعوة ربهم. وقال الزجاج: المعنى ليس له استجابة دعوة توجب الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة، أو دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة، كما سمى الفعل المجازى عليه باسم الجزاء في قوله: كما تدين تدان. وقال الكلبي: ليست له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة، وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، وكانت تعبد ما دامت شابة، فإذا هزلت أمر بذبحها ودعا بأخرى لتعبد. فلما طال عليه الزمان قال: * (أنا ربكم الاعلى) *. ولما ذكر انتفاء دعوة ما عبد من دون الله وذكر أن مرد الجميع إلى الله، أي إلى جزائه، * (وأن المسرفين) *: وهم المشركون في قول قتادة، والسفاكون للدماء بغير حلها في قول ابن مسعود ومجاهد. وقيل: من غلب شره خيره هو المسرف. وقال عكرمة: هم الجبارون المتكبرون. وختم المؤمن كلامه بخاتمة لطيفة توجب التخويف والتهديد وهي قوله: * (فستذكرون ما أقول لكم) *: أي إذا حل بكم عقاب الله. * (وأفوض أمرى) * إلى قضاء الله وقدره، لا إليكم ولا إلى أصنامكم، وكانوا قد توعدوه. ثم ذكر ما يوجب التفويض، وهو كونه تعالى بصيرا بأحوال العباد وبمقادير حاجاتهم.
(٤٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 ... » »»