تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٤١
* لئن حللت بجوفي بني أسد * في دين عمرو وحالت بيننا فدك انتهى. وتبديل دينهم هو تغييره، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام، كما قال: * (ويذرك وءالهتك) *. أو أن يظهر الأرض الفساد، وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن، وتتعطل المزارع والمكاسب، ويهلك الناس قتلا وضياعا، فأخاف فساد دينكم ودنياكم معا. وبدأ فرعون بخوفه تغيير دينهم على تغيير دنياهم، لأن حبهم لأديانهم فوق حبهم لأموالهم. وقيل: * (ذرونى) * يدل على أنهم كانوا يمنعونه من قتله، إما لكون بعضهم كان مصدقا له فيتحيل في منع قتله، وإما لما روي عن الحسن مما ذكر الزمخشري، وإما الشغل قلب فرعون بموسى حتى لا يتفرغ لهم، ويأمنوا من شره؛ كما يفعلون مع الملك، إذا خرج عليه خارجي شغلوه به حتى يأمنوا من شره. وقرأ الكوفيون: أو أن، بترديد الخوف بين تبديل الدين أو ظهور الفساد. وقرأ باقي السبعة: وأن بانتصاب الخوف عليهما معا. وقرأ أنس بن مالك، وابن المسيب، ومجاهد، وقتادة، وأبو رجاء، والحسن، والجحدري، ونافع، وأبو عمرو، وحفص: * (يظهر) * من أظهر مبنيا للفاعل، * (الفساد) *: نصبا. وقرأ باقي السبعة، والأعرج، والأعمش، وابن وثاب، وعيسى: يظهر من ظهر مبنيا للفاعل، الفساد: رفعا. وقرأ مجاهد: يظهر بشد الظاء والهاء، الفساد: رفعا. وقرأ زيد بن علي: يظهر: بضم الياء وفتح الهاء مبنيا للمفعول، الفساد: رفعا.
* ولما سمع موسى بمقالة فرعون، استعاذ بالله من شر كل متكبر منكر للمعاد. وقال: * (وربكم) *: بعثا على الاقتداء به، فيعوذون بالله ويعتصمون به ومن كل متكبر يشمل فرعون وغيره من الجبابرة؛ وكان ذكل على طريق التعريض، وكان أبلغ. والتكبر: تعاظم الإنسان في نفسه مع حقارته، لأنه يفعل ولا يؤمن بيوم الحساب، أي بالجزاء، وكان ذلك آكد في جراءته، إذ حصل له التعاظم في نفسه، وعدم المبالاة بما ارتكب. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: عدت بالإدغام؛ وباقي السبعة: بالإظهار. وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، قيل: كان قبطيا ابن عم فرعون، وكان يجري مجرى ولي العهد، ومجرى صاحب الشرطة. وقيل: كان قبطيا ليس من قرابته. وقيل: قيل فيه من آل فرعون، لأنه كان في الظاهر على دينه ودين أتباعه. وقيل: كان إسرائيليا وليس من آل فرعون، وجعل آل فرعون متعلقا بقوله: * (يكتم إيمانه) *، لا في موضع الصفة لرجل، كما يدل عليه الظاهر، وهذا فيه بعد، إذ لم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتجاسر عند فرعون بمثل ما تكلم به هذا الرجل. وقد رد قول من علق من آل فرعون بيكتم، فإنه لا يقال: كتمت من فلان كذا، إنما يقال: كتمت فلانا كذا، قال تعالى: * (ولا يكتمون الله حديثا) *، وقال الشاعر:
* كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا * وهمين هما مستكنا وظاهرا * * أحاديث نفس تشتكي ما يريبها * وورد هموم لن يجدن مصادرا * أي: كتمتك أحاديث نفس وهمين. قيل: واسمه سمعان. وقيل: حبيب. وقيل: حزقيل. وقرأ الجمهور: * (رجل) * بضم الجيم. وقرأ عيسى، وعبد الوارث، وعبيد بن عقيل، وحمزة بن القاسم عن أبي عمرو: بسكون، وهي لغة تميم ونجد. * (أتقتلون رجلا أن يقول) *: أي لأن يقول * (ربى الله) *، وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت لهم، كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم عليه في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها، وهي قوله: * (ربى الله) *، مع أنه * (قد جاءكم * بالبينات من ربكم) *: أي من عند من نسب إليه الربوبية، وهو ربكم لا ربه وحده؟ وهذا استدراج إلى الاعتراف. وقال الزمخشري: ولك أن تقدر مضافا محذوفا، أي وقت أن يقول، والمعنى: أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من
(٤٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 ... » »»