تعالى نبيه بالصبر فقال: * (فاصبر إن وعد الله حق) *، من قوله: * (إنا لننصر رسلنا) *، فلا بد من نصرك على أعدائك. وقال الكلبي: نسخ هذا بآية السيف. * (واستغفر لذنبك) *، قال ابن عطية: يحتمل أن يكون قبل إعلام الله تعالى إياه أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لأن آية هذه السورة مكية، وآية سورة الفتح مدنية متأخرة، ويحتمل أن يكون الخطاب له في هذه الآية، والمراد أنه إذا أمر هو بهذا فغيره أحرى بامتثاله. وقال أبو عبد الله الرازي: محمول على التوبة من ترك الأفضل والأولى. وقيل: المقصود منه محض تعبد، كما في قوله تعالى: * (ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك) *، فإن إيتاء ذلك الشيء واجب، ثم إنه أمرنا بطلبه. وقيل: * (لذنبك) *: لذنب أمتك في حقك. قيل: فأضاف المصدر للمفعول، ثم أمره بتنزيهه تعالى في هذين الوقتين اللذين الناس مشتغلون فيهما بمصالحهم المهمة. ويجوز أن يكون المراد سائر الأوقات، وعبر بالظرفين عن ذلك. وقال ابن عباس: أراد بذلك الصلوات الخمس. وقال قتادة: صلاة الغداة، وصلاة العصر. وقال الحسن: ركعتان قبل أن تفرض الصلاة. وعنه أيضا: صلاة العصر، وصلاة الصبح. والظاهر أن المجادلين في آيات الله، وهي دلائله التي نصبها على توحيده وكتبه المنزلة، وما أظهر على يد أنبيائه من الخوارق، هم كفار قريش والعرب. * (بغير سلطان) *: أي حجة وبرهان. * (فى صدورهم إلا كبر) *: أي تكبر وتعاظم، وهو إرادة التقدم والرياسة، وذلك هو الحامل على جدالهم بالباطل، ودفعهم ما يجب لك من تقدمك عليهم، لما منحك من النبوة وكلفك من أعباء الرسالة. * (ما هم ببالغيه) *: أي ببالغي موجب الكبر ومقتضيه من رياستهم وتقدمهم، وفي ذلك إشارة إلى أنهم لا يرأسون، ولا يحصل لهم ما يؤملونه. وقال الزجاج: المعنى على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر عليك، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر، لأن الله أذلهم وقال ابن عطية: تقديره مبالغي إرادتهم فيه. وقال مقاتل: هي في اليهود.
قال مقاتل: عظمت اليهود الدجال وقالوا: إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان، فقال تعالى: * (إن الذين يجادلون فىءايات الله) *، لأن الدجال من آياته، * (بغير سلطان) *: أي حجة، * (فاستعذ بالله) * من فتنة الدجال. والمراد بخلق الناس الدجال، وإلى هذا ذهب أبو العالية، وهذا القول أصح. وقال الزمخشري: وقيل المجادلون هم اليهود، وكانوا يقولون: يخرج صاحبنا المسيح بن داود، يريدون الدجال، ويبلغ سلطانه البر والبحر، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله، فيرجع إلينا الملك، فسمى الله تمنيتهم ذلك كبرا، ونفى أن يبلغوا متمناهم. انتهى. وكان رئيس اليهود في زمانه في مصر موسى بن ميمون الأندلسي القرطبي قد كتب رسالته إلى يهود اليمن أن صاحبهم يظهر في سنة كذا وخمسمائة، وكذب عدو الله. جاءت تلك السنة وسنون بعدها كثيرة، ولم يظهر شيء مما قاله، لعنه الله. وكان هذا اليهودي قد أظهر الإسلام، حتى استسلم اليهود بعض ملوك المغرب، ورجل من الأندلس. فيذكر أنه صلى بالناس التراويح وهم على ظهر السفينة في رمضان، إذ كان يحفظ القرآن. فلما قدم مصر، وكان ذلك في دولة العبيديين، وهم لا يتقيدون بشريعة، رجع إلى اليهودية وأخبر أنه كان مكرها على الإسلام، فقبل منه ذلك، وصنف لهم تصانيف، ومنها: (كتاب دلالة الحائرين)، وإنما استفاد ما استفاد من مخالطة علماء الأندلس وتودده لهم، والرياسة إلى الآن بمصر لليهود في كل من كان من ذريته. * (فاستعذ بالله) *: أي التجيء إليه من كيد من يحسدك. * (إنه هو السميع) * لما تقول ويقولون، * (البصير) * بما تعمل ويعملون) *، فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم.
ثم نبه تعالى أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ولا يتكبر الانسان بقوله لخلق السماوات والأرض من خلق الناس أي إن المخلوقات أكبر واجل من خلق البشر من لأحد يجادل ويتكبر على خلقه قال الزمخشري وجادلتهم في آية الله كان مشتملا على انكار البعث وهو أصل المجادلة ومدارها بخلق السماوات والأرض لأنهم كانوا مقرنين بأن الله خلقها لا يقدر قدره