غير روية ولا فكر في أمره؟ انتهى. وهذا الذي أجازه من تقدير المضاف المحذوف الذي هو وقت لا يجوز، تقول: جئت صياح الديك، أي وقت صياح الديك، ولا أجيء أن يصيح الديك، نص على ذلك النحاة، فشرط ذلك أن يكون المصدر مصرحا به لا مقدرا، وأن يقول ليس مصدرا مصرحا به. * (بالبينات) *: بالدلائل على التوحيد، وهي التي ذكرها في طه والشعراء حالة محاورته له في سؤاله عن ربه تعالى.
ولما صرح بالإنكار عليهم، غالطهم بعد في أن قسم أمره إلى كذب وصدق، وأدى ذلك في صورة احتمال ونصيحة، وبدأ في التقسيم بقوله: * (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) *، مداراة منه وسالكا طريق الإنصاف في القول، وخوفا إذا أنك عليهم قتله أنه ممن يعاضده ويناصره، فأوهمهم بهذا التقسيم والبداءة بحالة الكذب حتى يسلم من شره، ويكون ذلك أدنى لتسليمهم. ومعنى * (فعليه كذبه) *: أي لا يتخطاه ضرره. * (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم) *، وهو يعتقد أنه نبي صادق قطعا، لكنه أتى بلفظ بعض لإلزام الحجة بأسرها في الأمر، وليس فيه نفي أن يصيبهم كل ما يعدهم. وقالت فرقة: يصبكم بعض العذاب الذي يذكر، وذلك كان في هلاكهم، ويكون المعنى: يصبكم القسم الواحد مما يعد به، وذلك هو بعض مما يعد، لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعمة، وإن كفروا بالنقمة. وقالت فرقة: بعض الذي يعدكم عذاب الدنيا، لأنه بعض عذاب الآخرة، ويصيرون بعد ذلك إلى النار. وقال أبو عبيدة وغيره: بعض بمعنى كل، وأنشدوا عمرو بن شسيم القطامي:
* قد يدرك المتأني بعض حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزلل * وقال الزمخشري: وذلك أنه حين فرض صادقا، فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد، ولكنه أردفه * (يصبكم بعض الذى يعدكم) *، ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه وافيا فضلا أن يتعصب له. فإن قلت: وعن أبي عبيدة أنه قسم البعض بالكل، وأنشد بيت لبيد وهو:
* تراك أمكنة إذا لم أرضها * ويريك من بعض النفوس حمامها * قلت: إن صحت الرواية عنه فقد حق في قول المازني في مسألة العافي كان أحفى من أن يفقه ما أقول له. انتهى، ويعني أن أبا عبيدة خطأه الناس في اعتقاده أن بعضا يكون بمعنى كل، وأنشدوا أيضا في كون بعض بمعنى كل قول الشاعر:
* إن الأمور إذا الأحداث دبرها * دون الشيوخ في بعضها خللا * أي: إذا رأى الأحداث، ولذلك قال دبرها ولم يقل دبروها، راعي المضاف المحذوف. * (إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب) * فيه: إشارة إلى علو شأن موسى ، عليه السلام، وأن من اصطفاه الله للنبوة لا يمكن أن يقع منه إسراف ولا كذب، وفيه تعريض بفرعون، إذ هو غاية الإسراف على نفسه بقتل أبناء المؤمنين، وفي غاية الكذب، إذ ادعى الإلهية والربوبية، ومن هذا شأنه لا يهديه الله. وفي الحديث: (الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس، ومؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب). وفي الحديث: (أنه عليه السلام، طاف بالبيت، فحين فرغ أخذ بمجامع ردائه، فقالوا: له أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا؟ فقال: أنا ذاك، فقام أبو بكر، رضي الله عنه، فالتزمه من ورائه وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم)، رافعا صوته بذلك وعيناه تسفحان بالدموع حتى أرسلوه. وعن جعفر الصادق: أن مؤمن آل فرعون قال ذلك سرا، وأبو بكر قاله ظاهرا. وقال السدي: مسرف بالقتل. وقال قتادة: مسرف بالكفر. وقال صاحب