أن ينادي مناد: * (لمن الملك اليوم) *؟ فيجيبوا كلهم: * (لله الواحد القهار) *. روي أنه تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعا، فيجيب نفسه بقوله: * (لله الواحد القهار) *، فيجيب الناس، وإنما خص التقرير باليوم، وإن كان الملك له تعالى في ذلك اليوم وفي غيره، لظهور ذلك للكفرة والجهلة ووضوحه يوم القيامة.
وإذا تأمل من له مسكة عقل تسخير أهل السماوات الأرض، ونفوذ القضاء فيهم، وتيقن أن لا ملك إلا لله، ومن نتائج ملكه في ذلك اليوم جزاء كل نفس بما كسبت، وانتفاء الظلم، وسرعة الحساب، إن حسابهم في وقت واحد لا يشغله حساب عن حساب. قال ابن عطية: وهذه الآية نص في أن الثواب والعقاب معلق باكتساب العبد. انتهى، وهو على طريقة الأشعرية. وروى أن يوم القيامة لا ينتصف حتى يقيل المؤمنون في الجنة والكافرون في النار. و * (يوم الازفة) *: هو يوم القيامة، يأمر تعالى نبيه أن ينذر العالم ويحذرهم منه ومن أهواله، قاله مجاهد وابن زيد. والآزفة صفة لمحذوف تقديره يوم الساعة الآزفة، أو الطامة الآزفة ونحو هذا. ولما اعتقب كل إنذار نوعا من الشدة والخوف وغيرهما، حسن التكرار في الآزفة القريبة، كما تقدم، وهي مشارفتهم دخول النار، فإنه إذ ذاك تزيغ القلوب عن مقارها من شدة الخوف. وقال أبو مسلم: يوم الآزفة: يوم المنية وحضور الأجل، يدل عليه أنه يعدل وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق، ويوم بروزهم، فوجب أن يكون هذا اليوم غيره، وهذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات، يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب، وأيضا فالصفات المذكورة بعد قوله: * (يوم الازفة) *، لائقة بيوم حضور المنية، لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب لعظم خوفه، يكاد قلبه يبلغ حنجرته من شدة الخوف، ولا يكون له حميم ولا شفيع يرفع عنه ما به من أنواع الخوف.
* (إذ القلوب لدى الحناجر) *، قيل: يجوز أن يكون ذلك يوم القيامة حقيقة، ويبقون أحياء مع ذلك بخلاف حالة الدنيا، فإن من انتقل قلبه إلى حنجرته مات، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن ما يبلغون إليه من شدة الجزع، كما تقول: كادت نفسي أن تخرج، وانتصب كاظمين على الحال. قال الزمخشري: هو حال عن أصحاب القلوب على المعنى، إذا المعنى: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها، ويجوز أن تكون حالا عن القلوب، وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها، مع بلوغها الحناجر. وإنما جمع الكاظم جمع السلامة، لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء، كما قال: * (رأيتهم لى ساجدين) *. وقال: فظلت أعناقهم لها خاضعين، ويعضده قراءة من قرأ: كاظمون، ويجوز أن يكون حالا عن قوله: أي وانذرهم مقدرين. وقال ابن عطية: كاظمين حال، مما أبدل منه قوله تعالى: * (تشخص فيه الابصار * مهطعين) *: أراد تشخص فيه أبصارهم، وقال الحوفي: القلوب رفع بالابتداء، ولدى الحناجر الخبر متعلق بمعنى الاستقرار. وقال أبو البقاء: كاظمين حال من القلوب، لأن المراد أصحابها. انتهى. * (ما للظالمين من حميم) *: أي محب مشفق، ولا شفيع يطاع في موضع الصفة لشفيع، فاحتمل أن يكون في موضع خفض على اللفظ، وفي موضع رفع على الموضع واحتمل أن ينسحب النفي على الوصف فقط، فيكون من شفيع، ولكنه لا يطاع، أي لا تقبل شفاعته، واحتمل أن ينسحب النفي على الموصوف وصفته: أي لا شفيع فيطاع، وهذا هو المقصود في الآية أن الشفيع عند الله إنما يكون من أوليائه تعالى، ولا تكون الشفاعة إلا لمن ارتضاه الله وأيضا فيكون في زيادة التفضل والثواب ولا يمكن شيء من هذا في حق الكافر. وعن الحسن: والله لا يكون لهم شفيع البتة، * (يعلم خائنة الاعين) *، كقوله:
وإن سقيت كرام الناس فاسقينا أي الناس الكرام، وجوزوا أن تكون خائنة مصدرا، كالعافية والعاقبة، أي يعلم خيانة الأعين. ولما كانت الأفعال التي يقصد بها التكتم بدنية، فأخفاها خائنة الأعين من كسر جفن وغمز ونظر يفهم معنى