ويريد صاحب معنى آخر وقلب، وهو ما تحتوي عليه الضمائر، قسم ما ينكتم به إلى هذين القسمين، وذكر أن علمه متعلق بهما التعلق التام. وقال الزمخشري: ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين، لأن قوله: * (وما تخفى الصدور) * لا يساعد عليه. انتهى، يعني أنه لا يناسب أن يكون مقابل المعنى إلا المعنى، وتقدم أن الظاهر أن يكون التقدير الأعين الخائنة، والظاهر أن قوله: يعلم خائنة الأعين الآية متصل بما قبله، لما أمر بإنكاره يوم الآزفة، وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم، وأن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك، ولا من يشفع له.
ذكر اطلاعه تعالى على جميع ما يصدر من العبد، وأنه مجازي بما عمل، ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا علم أن الله مطلع على أعماله. وقال ابن عطية: يعلم خائنة الأعين متصل بقوله: * (سريع الحساب) *، لأن سرعة حسابه للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر، ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون. وقالت فرقة: يعلم متصل بقوله: لا يخفي على الله منهم شيء، وهذا قول حسن، يقويه تناسب المعنيين، ويضعفه بعد الآية من الآية وكثرة الحائل. انتهى. وقال الزمخشري: فإن قلت: فإن قلت: بم اتصل قوله: يعلم خائنة الأعين؟ قلت: هو خبر من أخبار هو في قوله: * (هو الذى * يريكم البرق) *، مثل: * (يلقى الروح) *، ولكن من يلقي الروح قد علل بقوله: * (لينذر يوم التلاق) *، ثم أسقط وتذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله: * (ولا شفيع يطاع) *، فبعد لذلك عن إخوانه. انتهى. وفي بعض الكتب المنزلة، انا مرصاد الهمم، انا العالم بحال الفكر وكسر العيون. وقال مجاهد: خائنة الأعين: مسارقة النظر إلى ما لا يجوز؛ ومثل المفسرون خائنة الأعين بالنظر الثاني إلى حرمة غير الناظر، وما تحفي الصدور بالنظر الأول الذي لا يمكن رفعه.
* (والله يقضى بالحق) *: هذا يوجب عظيم الخوف، لأن الحاكم إذا كان عالما بجميع الأحوال لا يقضي إلا بالحق في ما دق وجل خافه الخلق غاية. * (والذين يدعون من دونه لا يقضون بشىء) *: هذا قدح في أصنامهم وتهكم بهم، لأن ما لا يوصف بالقدرة، لا يقال فيه يقضي ولا يقضي. وقرأ الجمهور: * (يدعون) * بياء الغيبة لتناسب الضمائر الغائبة قبل. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، ونافع: بخلاف عنه؛ وهشام: تدعون بتاء الخطاب، أي قل لهم يا محمد. * (إن الله هو السميع البصير) *: تقرير لقوله: * (يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور) *، وعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعلمون وتعريض بأصنامهم أنها لا تسمع ولا تبصر. * (أو لم * يسيروا فى الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم) *: أحال قريشا على الاعتبار بالسير، وجاز أن يكون فينظروا مجزوما عطفا على يسيروا وأن يكون منصوبا على جواب النفي، كما قال:
ألم تسأل فتخبرك الرسوم وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة، وحمل الزمخشري هم على أن يكون فصلا ولا يتعين، إذ يجوز أن يكون هم توكيدا لضمير كانوا. وقرأ الجمهور: منهم بضمير الغيبة؛ وابن عامر: منكم بضمير الخطاب على سبيل الالتفات. * (أولم يسيروا فى) *: معطوف على قوة، أي مبانيهم وحصونهم وعددهم كانت في غاية الشدة. * (وتنحتون من الجبال بيوتا) *. وقال الزمخشري: أو أرادوا أكثر آثارا لقوله:
متقلدا سيفا ورمحا انتهى. أي: ومعتقلا رمحا، ولا حاجة إلى ادعاء الحذف مع صحة المعنى بدونه. * (من واق) *: أي وما كان لهم من عذاب الله من ساتر بمنعهم منعه. * (ذالك) *: أي الأخذ، وتقدم تفسير نظير ذلك.
* (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقشرون فقالوا ساحر كذاب * فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا فى ضلال (سقط: وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل فيكم أو أن يظهر في الأرض الفساد، وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا)) *.