تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٥٢
بالقياس إليه شيء قليل مهين ممن قدر على خلقها مع عظمها على خلق الإنسان مهانته وهو بلغ من الإجتهاد بخلق مثله انتهى.
ولما بعد، قسم الذين آمنوا بطول صلة الموصول، كرر لا توكيدا، وقدم * (*) *، فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم.
ثم نبه تعالى أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ولا يتكبر الانسان بقوله لخلق السماوات والأرض من خلق الناس أي إن المخلوقات أكبر واجل من خلق البشر من لأحد يجادل ويتكبر على خلقه قال الزمخشري وجادلتهم في آية الله كان مشتملا على انكار البعث وهو أصل المجادلة ومدارها بخلق السماوات والأرض لأنهم كانوا مقرنين بأن الله خلقها لا يقدر قدره بالقياس إليه شيء قليل مهين ممن قدر على خلقها مع عظمها على خلق الإنسان مهانته وهو بلغ من الإجتهاد بخلق مثله انتهى.
ولما بعد، قسم الذين آمنوا بطول صلة الموصول، كرر لا توكيدا، وقدم * (والذين ءامنوا) * المجاورة قوله: * (والبصير) *، وهما طريقان، أحدهما: أن يجاور المناسب هكذا، والآخر: أن يتقدم ما يقابل الأول ويؤخر ما يقابل الآخر، كقوله تعالى: * (وما يستوى الاعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور) *، وقد يتأخر المتماثلان، كقوله تعالى: * (مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع) *، وكل ذلك تفنن في البلاغة وأساليب الكلام. ولما كان قد تقدم: * (ولاكن أكثر الناس لا يعلمون) *، فكان ذلك صفة ذم ناسب أن يبدأ في ذكر التساوي بصفة الذم، فبدأ بالأعمى. وقرأ قتادة، وطلحة، وأبو عبد الرحمن، وعيسى، والكوفيون: تتذكرون بتاء الخطاب؛ والجمهور، والأعرج، والحسن، وأبو جعفر، وشيبة: بالياء على الغيبة. ثم أخبر بما يدل على البعث من إتيان الساعة، وأنه لا ريب في وقوعها، وهو يوم القيامة، حيث الحساب وافتراق الجمع إلى الجنة طائعهم، وإلى النار كافرهم ومن أراد الله تعذيبه من العصاة بغير الكفر. والظاهر حمل الدعاء والاستجابة على ظاهرهما، إلا أن الاستجابة مقيدة بمشيئة الله.
قال السدي: اسألوني أعطكم؛ وقال الضحاك: أطيعوني آتكم؛ وقالت فرقة منهم مجاهد: ادعوني، اعبدوني وأستجب لكم، آتيكم على العبادة. وكثيرا جاء الدعاء في القرآن بمعنى العبادة، ويقوي هذا التأويل قوله: * (إن الذين يستكبرون عن عبادتى) *. وما روى النعمان بن بشير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: (الدعاء هو العبادة)، وقرأ هذه الآية. وقال ابن عباس: وحدوني أغفر لكم؛ وقيل للثوري: ادع الله تعالى، فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء. وقال الحسن، وقد سئل عن هذه الآية: اعملوا وأبشروا، فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم): (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شح نعله). * (إن الذين يستكبرون عن عبادتى) *: أي عن دعائي. وقرأ جمهور السبعة، والحسن، وشيبة: سيدخلون مبنيا للفاعل؛ وزيد بن علي، وابن كثير، وأبو جعفر: مبنيا للمفعول؛ واختلف عن عاصم وأبي عمرو. داخرين: ذليلين.
* (الله الذى جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) *: تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في سورة يونس. و * (لذو فضل * أبلغ * من * فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم) * لما علمناه * (لينفق ذو سعة من سعته) *، * (والله ذو الفضل العظيم) *، لما يؤدي إليه من كونه صاحبه ومتمكنا منه، بخلاف أن يؤتي بالصفة، فإنه قد يدل على غير الله بالاتصاف به في وقت ما، لا دائما، وذكر عموم فضله وسوغه على الناس، ثم قال: * (ولاكن أكثر الناس) *، فأتى به ظاهرا، ولم يأت التركيب: ولكن أكثرهم. قال الزمخشري: في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم، وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه، كقوله: * (إن الإنسان لكفور) *، * (إن الإنسان لربه لكنود) *،
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»