أنت تصبر، ويؤول أمرك إلى أحسن مآل، وتبلغ ما تريد من إقامة دينك وإماتة الضلال. وقيل: * (اصبر على ما يقولون) *، وعظم أمر مخالفتهم لله في أعينهم، وذكرهم بقصة داود وما عرض له، وهو قد أوتي النبوة والملك، فما الظن بكم مع كفركم وعصيانكم؟ انتهى. وهو ملتقط من كلام الزمخشري مع تغيير بعض ألفاظه لا تناسب منصب النبة. وقيل: أمر بالصبر، فذكر قصص الأنبياء ليكون برهانا على صحة نبوته. وقيل: * (اصبر على ما يقولون) *، وحافظ على ما كلفت به من مصابرتهم، وتحمل أذاهم، واذكر داود وكرامته على الله، وما عرض له، ومالقي من عتب الله. * (ذا الايد) *: أي ذا القوة في الدين والشرع والصدع بأمر الله والطاعة لله، وكان من ذلك قويا في بدنه. والآواب: الرجاع إلى طاعة الله، قاله مجاهد وابن زيد. وقال السدي: المسبح. ووصفه بأنه أوأب يد على أن ذا الأيد معناه: القوة في الدين. ويقال: رجل أيد وأيد وذو أد وأياد: كل بمعنى ما يتقوى. و * (* الإشراق) *: وقت الإشراق. قال ثعلب: شرقت الشمس، إذا طلعت؛ وأشرقت: إذا أضاءت وصفت. وفي الحديث، أنه عليه السلام، صلى صلاة الضحى وقال: (يا أم هانىء، هذه صلاة الإشراق، وفي هذين الوقتين كانت صلاة بني إسرائيل). وتقدم كل الكلام في تسبيح الجبال في قصة داود في سورة الأنبياء، وأتى بالمضارع باسم الفاعل دلالة على حدوث التسبيح شيئا بعد شيء، وحالا بعد حال؛ فكأن السامع محاضر تلك الجبال سمعها تسبح. ومثله قول الأعشى:
* لعمري لقد لاحت عيون كثيرة إلى ضوء نار في بقاع تحرق * أي: تحرق شيئا فشيئا. ولو قال محرقة، لم يدل على هذا المعنى. وقرأ الجمهور: * (والإشراق والطير محشورة) *، بنصبهما، عطفا على الجبال يسبحن، عطف مفعول على مفعول، وحال على حال، كقولك: ضربت هندا مجردة، ودعدا لابسة. وقرأ ابن أبي عبلة، والجحدري: والطير محشورة، برفعهما، مبتدأ وخبر، أو جاء محشورة باسم المفعول، لأنه لم يرد أنها تحشر شيئا، إذ حاشرها هو الله تعالى، فحشرها جملة واحدة أدل على القدرة. والظاهر عود الضمير في له على داود، أي كل واحد من الجبل والطير لأجل داود، أي لأجل تسبيحه. سبح لأنها كانت ترجع تسبيحه، ووضع الأواب موضع المسبح. وقيل: الضمير عائد على الله، أي كل من داود والجبال والطير أواب، أي مسبح مرجع للتسبيح.
وقرأ الجمهور: * (وشددنا) *، مخففا: أي قوينا، كقوله: * (سنشد عضدك بأخيك) *. والحسن، وابن أبي عبلة: بشد الدال، وهي عبارة شاملة لما وهبه الله تعالى من قوة وجند ونعمة، فالتخصيص ببعض الأشياء لا يظهر. وقال السدي: بالجنود. قيل: كان يبيت حول محرابه أربعون ألف مسلم يحرسونه، وهذا بعيد في العادة؛ وقيل: بهيبة قذفها الله له في قلوب قومه. و * (الحكمة) * هنا: النبوة، أو الزبور، أو الفهم في الدين، أو كل كلام، ولقن الحق أقوال. * (وفصل الخطاب) *، قال علي والشعبي: إيجاب اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعي. وقال ابن عباس، ومجاهد، والسدي: القضاء بين الناس بالحق وإصابته وفهمه. وقال الشعبي: كلمة أما بعد، لأنه أول من تكلم بها وفصل بين كلامين. قال الزمخشري: لأنه يفتتح إذا تكلم في الأمر الذي له شأن بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق إليه، فصل بينه وبين ذكر الله بقوله: أما بعد. ويجوز أن يراد بالخطاب: القصد الذي ليس له فيه اختصار مخل، ولا إشباع ممل؛ ومنه ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم))