تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٧٠
توحيد الله. * (إن هاذا إلا اختلاق) *: أي افتعال وكذب.
* (عليه الذكر من بيننا بل) *: أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم، وهذا الإنكار هو ناشىء عن حسد عظيم انطوت عليه صدورهم فنطقت به ألسنتهم. * (بل هم فى شك من ذكرى) *: أي من القرآن الذي أنزلت على رسولي يرتابون فيه، والإخبار بأنهم في شك يقتضي كذبهم في قولهم: * (إن هاذا إلا اختلاق) *. * (بل لما يذوقوا عذاب) *: أي بعد، فإذا ذاقوه عرفوا أن ما جاء به حق وزال عنهم الشك. * (أم عندهم خزائن رحمة ربك) *: أي ليسوا متصرفين في خزائن الرحمة، فيعطون ما شاؤوا، ويمنعون من شاؤوا ما شاؤوا، ويصطفون للرسالة من أرادوا، وإنما يملكها ويتصرف فيها * (العزيز) *: الذي لا يغالب، * (الوهاب) *: ما شاء لمن شاء.
لما استفهم استفهام إنكار في قوله: * (أم عندهم خزائن رحمة ربك) *، وكان ذلك دليلا على انتفاء تصرفهم في خزائن رحمة ربك، أتى بالإنكار والتوبيخ بانتفاء ما هو أعم فقال: * (أم لهم م لك * السماوات والارض) *: أي ليس لهم شيء من ذلك. * (فليرتقوا) *: أي ألهم شيء من ذلك، فليصعدوا، * (فى * الاسباب) *، الموصولة إلى السماء، والمعارج التي يتوصل بها إلى تدبير العالم، فيضعون الرسالة فيمن اختاروا. ثم صغرهم وحقرهم، فأخبر بما يؤول إليه أمرهم من الهزيمة والخيبة. قيل: وما زائدة، ويجوز أن تكون صفة أريد به التعظيم على سبيل الهزء بهم، أو التحقير، لأن مال الصفة تستعمل على هذين المعنيين. و * (هنالك) *: ظرف مكان يشار به للبعيد. والظاهر أنه يشار به للمكان الذي تفاوضوا فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، بتلك الكلمات السابقة، وهو مكة، فيكون ذلك إخبارا بالغيب عن هزيمتهم بمكة يوم الفتح، فالمعنى أنهم يصيرون مهزومين بمكة يوم الفتح. وقيل: * (هنالك) *، إشارة إلى الارتقاء في الأسباب، أي هؤلاء القوم إن راموا ذلك جند مهزوم. وقيل: أشير بهنالك إلى جملة الأصنام وعضدها، أي هم جند مهزوم في هذه السبيل. وقال مجاهد، وقتادة: الإشارة إلى يوم بدر، وكان غيبا، أعلم الله به على لسان رسوله. وقيل: الإشارة إلى حصر عام الخندق بالمدينة. وقال الزمخشري: وهنالك، إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم من قولهم: لمن يندبه لأمر ليس من أهله، لست هنالك. انتهى. و * (هنالك) *، يحتمل أن يكون في موضع الصفة لجند، أي كائن هنالك؛ ويحتمل أن يكون متعلقا بمهزوم، وجند خبر مبتدأ محذوف، أي هم جند، ومهزوم خبره. وقال أبو البقاء: جند مبتدأ، وما زائدة، وهنالك نعت، ومهزوم الخبر. انتهى. وفيه بعد لفصله عن الكلام الذي قبله. ومعنى * (من الاحزاب) *: من جملة الأحزاب الذين تعصبوا في الباطل وكذبوا الرسل. ولما ذكر تعالى أنه أهلك قبل قريش قرونا كثيرة لما كذبوا رسلهم، سرد منهم هنا من له تعلق بعرفانه. و * (ذو الاوتاد) *: أي صاحب الأوتاد، وأصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده. قال الأفوه العوذي:
* والبيت لا يبتنى إلا على عمد * ولا عماد إذا لم ترس أوتاد * فاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر، كما قال الأسود:
* في ظل ملك ثابت الأوتاد
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»