تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٧٣
وقال أبو عبيدة: الصافن: الذي يجمع يديه ويسويهما، وأما الذي يقف على طرف السنبك فهو المتخيم. وقال القتبي: الصافن: الواقف في الخيل وغيرها. وفي الحديث: (من سره أن يقوم الناس له صفونا فليتبوأ مقعده من النار)، أي يديمون له القيام، حكاه قطرب. وأنشد النابغة:
* لناقبة مضروبة بفنائها * عتاق المهارى والجياد الصوافن * وقال الفراء: على هذا رأيت العرب وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة. جاد الفرس: صار رابضا، يجود جودة بالضم، فهو جواد للذكر والأنثى من خيل جياد وأجواد وأجاويد. وقيل: الطوال الأعناق من الجيد، وهو العنق، إذ هي من صفات فراهتها. وقيل: الجياد جمع جود، كثوب وثياب. الرخاء: اللينة، مشتقة من الرخاوة.
* (وما ينظر هؤلآء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق * وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب * اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا * داوود * ذا الايد إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه وءاتيناه الحكمة وفصل الخطاب * وهل أتاك نبؤا * الخصم إذ تسوروا * المحراب * إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) *.
* (وما ينظر) *: أي ينظر، * (هؤلاء) *: إشارة إلى كفار قريش، والإشارة بهؤلاء مقوية أن الإشارة باؤلئك هي للذين يلونها من قوم نوح وما عطف عليه.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب لاستحضارهم بالذكر، أو لأنهم كالحضور عند الله. انتهى. وفيه بعد، وهو إخبار منه تعالى صدقه الوجود. والصيحة: ما نالهم من قتل وأسر وغلبة، كما تقول؛ صاح فيهم الدهر. وقال قتادة: توعدهم بصيحة القيامة والنفخ في الصور. وقيل: بصيحة يملكون بها في الدنيا. فالقول الأول فيه الانتظار من الرسول لشيء معين فيهم، وعلى هذين القولين بمدرج عقوبة، وتحت أمر خطر ما ينتظرون فيه إلا الهلكة. وقرأ الجمهور: * (من فواق) *، بفتح الفاء؛ والسلمي، وابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وطلحة: بضمها، فقيل: هما بمعنى واحد، كقصاص الشعر. وقال ابن زيد، والسدي: بالفتح، إفاقة من أفاق واستراح، كجواب من أجاب. قال ابن عباس: * (من فواق) *: من ترداد. وقال مجاهد: من رجوع.
* (عجل لنا قطنا) *: نصيبنا من العذاب. وقال أبو العالية والكلبي: صحفنا بإيماننا. وقال السدي: المعنى: أرنا منازلنا من الجنة حتى نتابعك، وعلى كل قول، فإنما قالوا ذلك على سبيل الاستخفاف والاستهزاء. ومعنى * (قبل يوم الحساب) *: أي الذين يزعمون أنه واقع في العالم، إذ هم كفرة لا يؤمنون بالبعث.
ولما كانت مقالتهم تقتضي الاستخفاف، أمر تعالى نبيه بالصبر على أذاهم، وذكر قصصا للأنبياء: داود وسليمان وأبوب وغيرهم، وما عرض لهم، فصبروا حتى فرج الله عنهم، وصارت عاقبتهم أحسن عاقبة. فكذلك
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»