تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٨٥
ليضربن امرأته مائة ضربة لسبب جرى منها، وكانت محسنة له، فجعلنا له خلاصا من يمينه بقولنا: * (وخذ بيدك ضغثا) *. قال ابن عباس: الضغث: عثكال النخل. وقال مجاهد: الأثل، وهو نبت له شوك. وقال الضحاك: حزمة من الحشيش مختلفة. وقال الأخفش: الشجر الرطب، واختلفوا في السبب الذي أوجب حلفه. ومحصول أقوالهم هو تمثل الشيطان لها في صورة ناصح أو مداو. وعرض لها شفاء أيوب على يديه على شرط لا يمكن وقوعه من مؤمن، فذكرت ذلك له، فعلم أن الذي عرض لها هو الشيطان، وغضب لعرضها ذلك عليه فحلف. وقيل غير ذلك من الأسباب، وهي متعارضة. فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها، لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها، وقد وقع مثل هذه الرخصة في الإسلام. أني رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمخدج قد خبث بأمة فقال: (خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة). وقال بذلك بعض أهل العلم في الإيمان، قال: ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة، إما أطرافها قائمة، وإما أعراضها مبسوطة، مع وجود صورة الضربة. والجمهور على ترك القول في الحدود، وأن البر في الإيمان لا يقع إلا بإتمام عدد الضربات. ووصف الله تعالى نبيه بالصبر. وقد قال: * (مسنى الضر) *، فدل على أن الشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الوصف بالصبر. وقد قال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله على أن أيوب عليه السلام طلب الشفاء خيفة على قومه أن يوسوس إليهم الشيطان أنه لو كان نبيا لم يبتل، وتألفا لقومه على الطاعة، وبلغ أمره في البلاء إلى أنه لم يبق منه إلا القلب واللسان. ويروى أنه قال في مناجاته: إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي، ولم يتبع قلبي بصري، ولم يمنعني ما ملكت يميني، ولم آكل إلا ومعي يتيم، ولم أبت شبعانا ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان، فكشف الله عنه.
* (واذكر عبادنا إبراهيم) *، وقرأ ابن عباس وابن كثير وأهل مكة، عبدنا على الإفراد، وإبراهيم بدل منه، أو عطف بيان. والجمهور على الجمع، وما بعده من الثلاثة بدل أو عطف بيان. وقرأ الجمهور: * (أولى الايدى) *، بالياء. قال ابن عباس ومجاهد: القوة في طاعة الله. وقيل: إحسانهم في الدين وتقدمهم عند الله على عمل صدق، فهي كالأيدي، وهو قريب مما قبله. وقيل: النعم التي أسداها الله إليهم من النبوة والمكانة. وقيل * (الايدى) *: الجوارح المتصرفة في الخير، * ( والابصار) * الثاقبة فيه.
قال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت، فقيل في كل عمل: هذا مما عملت أيديهم، وإن كان عملا لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي، أو كان العمال جذما لا أيدي لهم، وعلى ذلك ورد قوله عز وعلا: * (أولى الايدى والابصار) *، يريد: أولي الأعمال والفكر؛ كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يجاهدون في الله؛ ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات، ولا يستبصرون في حكم الزمني الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم، والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم؛ وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله، ولا من المستبصرين في دين الله، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منها. انتهى، وهو تكثير. وقال أبو عبد الله الرازي: اليد آلة لأكثر الأعمال، والبصر آلة لأقوى الإدراكات، فحسن التعبير عن العمل باليد، وعن الإدراك بالبصر. والنفس الناطقة لهو قوتان: عاملة وعالمة، فأولي الأيدي والأبصار إشارة إلى هاتين الحالتين. وقرأ عبد الله، والحسن، وعيسى، والأعمش: الأيد بغير ياء، فقيل: يراد الأيدي حذف الياء اجتزاء بالكسرة عنها، ولما كانت أل تعاقب التنوين، حذفت الياء معها، كما حذفت مع التنوين، وهذا تخريج لا يسوغ، لأن حذف هذه الياء مع وجود أل ذكره سيبويه في الضرائر. وقيل: الأيدي: القوة في طاعة الله، والأبصار: عبارة عن البصائر التي يبصرون بها الحقائق وينظرون بنور الله تعالى. وقال الزمخشري: وتفسير الأيدي من التأييد قلق غير متمكن، وإنما كان قلقا عنده لعطف الأبصار عليه، ولا ينبغي أن يعلق، لأنه فسر أولي الأيدي والأبصار بقوله: يريد أولي الأعمال والفكر. وقرئ: الأيادي، جمع الجمع، كأوطف وأواطف.
وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والأعرج، ونافع، وهشام: بخالصة، بغير تنوين، أضيفت إلى
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»