تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٤٥
كبكر مغاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل * وقال السدي، وابن جبير: شبه ألوانهن بلون قشر البيضة الداخل، وهو غرقىء البيضة، وهو المكنون في كن، ورجحه الطبري وقال: وأما خارج قشر البيضة فليس بمكنون. وعن ابن عباس، البيض المكنون: الجوهر المصون، واللفظ ينبو عن هذا القول. وقالت فرقة: هو تشبيه عام جملة المرأة بجملة البيضة، أراد بذلك تناسب أجزاء المرأة، وأن كل جزء منها نسبته في الجودة إلى نوعه نسبة الآخر من أجزائها إلى نوعه؛ فنسبة شعرها إلى عينها مستوية، إذ هما غاية في نوعها، والبيضة أشد الأشياء تناسب أجزاء، لأنها من حيث حسنها في النظر واحد، كما قال بعض الأدباء يتغزل:
* تناسبت الأغضاء فيه فلا ترى * بهن اختلافا بل أتين على قدر وتساؤلهم في الجنة سؤال راحة وتنعم، يتذاكرون نعيمهم وحال الدنيا والإيمان وثمرته. و * (فأقبل) *: معطوف على * (يطاف عليهم) *، والمعنى: يشربون فيتحدثون على الشراب، كعادة الشراب في الدنيا.
* قال الشاعر:
* وما بقيت من اللذات إلا * أحاديث الكرام على المدام * وجئ به ماضيا لصدق الإخبار به، فكأنه قد وقع. ثم حكى تعالى عن بعضهم ما حكى، يتذكر بذلك نعمه تعالى عليه، حيث هداه إلى الإيمان واعتقاد وقوع البعث والثواب والعقاب، وهو مثال للتحفظ من قرناء السوء والبعد منهم. قال ابن عباس وغيره: كان هذا القائل وقرينه من البشر. وقالت فرقة: هما اللذان في قوله: * (ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا) *. وقال مجاهد: كان إنسيا وجنيا من الشياطين الكفرة. وقرأ الجمهور: * (من * المصدقين) *، بتخفيف الصاد، من التصديق؛ وفرقة: بشدها، من التصدق. قال قرة بن ثعلبة النهراني: كانا شريكين بثمانية آلاف درهم، يعبد الله أحدهما، ويقصر في التجارة والنظر؛ والآخر كان مقبلا على ماله، فانفصل من شريكه لتقصيره، فكلما اشترى دارا أو جارية أو بستانا ونحوه، عرضه على المؤمن وفخر عليه، فيتصدق المؤمن بنحو من ذلك ليشتري به في الجنة، فكان من أمرهما في الآخرة ما قصد الله. وقال الزمخشري: نزلت في رجل تصدق بماله لوجه الله، فاحتاج، فاستجدى بعض إخوانه، فقال: وأين مالك؟ فقال: تصدقت به ليعوضني الله في الآخرة خيرا منه، فقال: * (أءنك لمن المصدقين) * بيوم الدين، أو من المتصدقين لطلب الثواب؟ والله لا أعطيك شيئا.
* (أءنا لمدينون) *، قال ابن عباس، وقتادة والسدي: لمجازون محاسبون؛ وقيل: لمسوسون مديونون. يقال: دانه: ساسه، ومنه الحديث: (العاقل من دان نفسه). والظاهر أن الضمير في * (قال هل أنتم) * عائد على قائل في قوله: * (قال قائل) *. قيل: وفي الكلام حذف تقديره: فقال لهذا القائل حاضروه من الملائكة: إن قرينك هذا في جهنم يعذب، فقال عند ذلك: * (هل أنتم مطلعون) *. والخطاب في * (هل أنتم مطلعون) * يجوز أن يكون للملائكة، وأن يكون لرفقائه في الجنة الذين كان هو وإياهم يتساؤلون، أو لخدمته، وهذا هو الظاهر. لما كان قرينه ينكر البعث، علم أنه في النار فقال: * (هل أنتم مطلعون) * إلى النار لأريكم ذلك القرين؟ وعلى هذا القول لا يحتاج الكلام إلى حذف، ولا لقول الملائكة: إن قرينك في جهنم يعذب. قيل: إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار. وقيل: القائل * (هل أنتم مطلعون) * الله تعالى. وقيل: بعض الملائكة يقول لأهل الجنة: بل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار. وقرأ الجمهور: * (مطلعون) *، بتشديد الطاء المفتوحة وفتح النون، واطلع بشد الطاء فعلا ماضيا. وقرأ أبو عمرو في رواية حسين الجعفي: مطلعون، بإسكان الطاء وفتح النون، فأطلع بضم الهمزة وسكون الطاء وكسر اللام فعلا ماضيا مبنيا
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»