لو ويقذفون من كل جانب قذفا. فإما أن يكون التجوز في ويقذفون، وإما في دحورا. وقرأ علي، والسلمي، وابن أبي عبلة، والطبراني عن رجاله عن أبي جعفر: دحورا، بنصب الدال، أي قذفا دحورا، بنصب الدال. ويجوز أن يكون مصدرا، كالقبول والولوغ، إلا أن هذه ألفاظ ذكر أنها محصورة. والواضب: الدائم، قاله السدي وأبو صالح، وتقدم في سورة النحل. ويقال: وصب الشيء وصوبا: دام. وقال مجاهد: الموجع، ومنه الوصب، كأن المعنى: أنهم في الدنيا مرجومون، وفي الآخرة معذبون. ويجوز أن يكون هذا العذاب الدائم لهم في الدنيا، وهو رجمهم دائما، وعدم بلوغهم ما يقصدون من استراق السمع.
* (إلا من خطف الخطفة) *: من بدل من الضمير في لا يسمعون، ويجوز أن يكون منصوبا على الاستثناء، أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف. وقرأ الجمهور: خطف ثلاثيا بكسر الطاء. وقرأ الحسن، وقتادة: بكسر الخاء والطاء مشددة. قال أبو حاتم: ويقال هي لغة بكر بن وائل وتميم بن مرة. وقرئ: خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة، ونسبها ابن خالويه إلى الحسن وقتادة وعيسى، وعن الحسن أيضا التخفيف. وأصله في هاتين القراءتين اختطف، ففي الأول لما سكنت للإدغام، والخاء ساكنة، كسرت لالتقاء الساكنين، فذهبت ألف الوصل وكسرت الطاء اتباعا لحركة الخاء. وعن ابن عباس: خطف بكسر الخاء والطاء مخففة، اتبع حركة الخاء لحركة الطاء، كما قالوا نعم. وقرئ: فاتبعه، مخففا ومشددا. والثاقب، قال السدي وقتادة: هو النافذ بضوئه وشعاعه المنير.
* (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب * بل عجبت ويسخرون * وإذا ذكروا لا يذكرون * وإذا رأوا ءاية يستسخرون * وقالوا إن هاذا إلا سحر مبين * مبين * أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون * أو ءاباؤنا الاولون * قل نعم وأنتم داخرون * فإنما هى زجرة واحدة فإذا هم ينظرون * وقالوا ياويلنا هاذا يوم الدين * هاذا يوم الفصل الذى كنتم به تكذبون) *.
الاستفتاء نوع من السؤال، والهمزة، وإن خرجت إلى معنى التقرير، فهي في الأصل لمعنى الاستفهام، أي فاستخبرهم، والضمير لمشركي مكة. وقيل: نزلت في أبي الأشد بن كلدة، وكني بذلك لشدة بطشه وقوته. وعادل في هذا الاستفهام التقريري في الأشدية بينهم وبين من خلق من غيرهم من الأمم والجن والملائكة والأفلاك والأرضين. وفي مصحف عبد الله: أم من عددنا، وهو تفسير لمن خلقنا، أي من عددنا من الصافات وما بعدها من المخلوقين. وغلب العاقل على غيره في قوله: * (من خلقنا) *، واقتصر على الفاعل في * (خلقنا) *، ولم يذكر متعلق الخلق اكتفاء ببيان ما تقدمه، وكأنه قال: أم من خلقنا من غرائب المصنوعات وعجائبها. وقرأ الأعمش: أمن بتخفيف الميم دون أم، جعله استفهاما ثانيا تقريرا أيضا، فهما جملتان مستقلتان في التقرير، ومن مبتدأ، والخبر محذوف تقديره أشد. فعلى أم من هو تقرير واحد ونظيره: * (أشد خلقا أم السماء بناها) *. قال الزمخشري: وأشد خلقا يحتمل أقوى خلقا، من قولهم: شديد الخلق، وفي خلقه شدة، وأصعب خلقا. وأشد خلقا وأشقه يحتمل أقوى خلقا من قولهم: شديد الخلق، وفي خلقه شدة، على معنى الرد، لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى. وإن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة، ولم يصعب عليه اختراعها، كان خلق الشر عليه أهون. وخلقهم من طين لازب، إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة، لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة؛ أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب. فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله؟ قالوا: * (أءذا كنا ترابا) *، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث. انتهى. والذي يظهر الاحتمال الأول. وقيل: * (أم من خلقنا) * من الأمم الماضية، كقوله: * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا) *، وقوله: * (وكانوا أشد * منكم قوة) *، وأضاف: الخلق من الطين إليهم، والمخلوق منه هو