تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٦
وقال قتادة: من الباقين في العذاب النازل بهم. وتقدم القول في غبر، وأنه يستعمل بمعنى بقي، وهو المشهور، وبمعنى مضى. ونجاته عليه السلام أن أمره تعالى بالرحلة ليلا، وكانت امرأته كافرة تعين عليه قومه، فأصابها حجر، فهلكت فيمن هلك. قال قتادة: أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم. وقال قتادة: أتبع الائتفاك مطرا من الحجارة. وساء: بمعنى بئس، والمخصوص بالذم محذوف، أي مطرهم. وقال مقاتل: خسف الله بقوم لوط، وأرسل الحجارة إلى من كان خارجا من القربة، ولم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط.
* (كذب أصحاب لئيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله * فيها تحية وسلاما * خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما * قل ما يعبؤا بكم ربى لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما * طسم * تلك ءايات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم من السماء ءاية فظلت أعناقهم لها خاضعين * وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين * فقد كذبوا فسيأتيهم أنباؤا ما كانوا به يستهزءون * أولم يروا إلى الارض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم * إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) *.
قرأ الحرميان وابن عامر: ليكة هنا، وفي * (ص) * بغير لام ممنوع الصرف. وقرأ باقي السبعة الأيكة، بلام التعريف. فأما قراءة الفتح، فقال أبو عبيد: وجدنا في بعض التفسيران: ليكة: اسم للقرية، والأيكة: البلاد كلها، كمكة وبكة، ورأيتها في الإمام مصحف عثمان في الحجر و * (ق) *: الأيكة، وفي الشعراء و * (ص) *: ليكة، واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد على ذلك ولم تختلف. انتهى. وقد طعن في هذه القراءة المبرد وابن قتيبة والزجاج وأبو علي الفارسي والنحاس، وتبعهم الزمخشري؛ ووهموا القراء وقالوا: حملهم على ذلك كون الذي كتب في هذين الموضعين على اللفظ في من نقل حركة الهمزة إلى اللام وأسقط الهمزة، فتوهم أن اللام من بنية الكلمة ففتح الياء، وكان الصواب أن يخيز، ثم مادة ل ي ك لم يوجد منها تركيب، فهي مادة مهملة. كما أهملوا مادة خ ذ ج منقوطا، وهذه نزغة اعتزالية، يعتقدون أن بعض القراءة بالرأي لا بالرواية، وهذه قراءة متواترة لا يمكن الطعن فيها، ويقرب إنكارها من الردة، والعياذ بالله. أما نافع، فقرأ على سبعين من التابعين، وهم عرب فصحاء، ثم قراءة أهل المدينة قاطبة. وأما ابن كثير، فقرأ على سادة التابعين ممن كان بمكة، كمجاهد وغيره، وقد قرأ عليه إمام البصرة أبو عمرو بن العلاء، وسأله بعض العلماء: أقرأت على ابن كثير؟ قال: نعم، ختمت على ابن كثير بعدما ختمت على مجاهد، وكان ابن كثير أعلم من مجاهد باللغة. قال أبو عمرو: ولم يكن بين القراءتين كبير يعني خلافا. وأما ابن عامر فهو إمام أهل الشام، وهو عربي قح، قد سبق اللحن، أخذ عن عثمان، وعن أبي الدرداء وغيرهما. فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على هذه القراءة الحرمان مكة والمدينة والشام، وأما كون هذه المادة مفقودة في لسان العرب، فإن صح ذلك كانت الكلمة عجمية، ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب، فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث.
وتقدم مدلول الأيكة في الحجر، وكان شعيب عليه السلام من أهل مدين، فلذلك جاء: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا) *. ولم يكن من أهل الأيكة، فلذلك قال هنا: * (إذ قال لهم شعيب) *. ومن غريب النقل ما روي عن ابن عباس، أن * (كذب أصحاب) * هم أصحاب مدين، وعن غيره، أن * (كذب أصحاب) * هم أهل البادية، وأصحاب مدين هم الحاضرة. وروي في الحديث: (أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة، أمرهم بإيفاء الكيل، وهو الواجب، ونهاهم عن الإخسار، وهو التطفيف، ولم يذكر الزيادة على الواجب، لأن
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»