تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٤
وكسر الحاء؛ وأبو حيوة، وعيسى، والحسن: بفتحها، وتقدم ذكره، وعنه بألف بعد الحاء إشباعا. وعن عبد الرحمن بن محمد، عن أبيه: بالياء من أسفل وكسر الحاء. وعن أبي حيوة، والحسن أيضا: بالياء من أسفل وفتح الحاء. وقرأ عبد الله، وابن عباس، وزيد بن علي، والكوفيون، وابن عامر: فارهين بألف، وباقي السبعة: بغير ألف؛ ومجاهد: متفرهين، اسم فاعل من تعزه، والمعنى: نشطين مهتمين، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: شرهين. وقال ابن زيد: أقوياء. وقال ابن عباس أيضا، وأبو عمرو بن العلاء: أشرين بطرين. وقال عبد الله بن شداد: بمعنى مستفرهين، أي مبالغين في استجادة المغارات ليحفظوا أموالهم فيها. وقال قتادة: آمنين. وقال الكلبي: متجبرين. وقال خصيف: معجبين. وقال عكرمة: ناعمين. وقال الضحاك: كيسين. وقال أبو صالح: حاذقين. وقال ابن بحر: قادرين. وقال أبو عبيدة: مرحين.
وظاهر هذه الآيات أن الغالب على قوم هود: اللذات الخيالية من طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر، وعلى قوم صالح: اللذات الحسية من المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة. * (ولا تطيعوا) *: خطاب الجمهور قومه. والمسرفون: هم كبراؤهم وأعلامهم في الكفر والإضلال، وكانوا تسعة رهط. * (يفسدون فى الارض) *: أي أرض ثمود. وقيل: في الأرض كلها، لأن بمعاصيهم امتناع الغيث. ولما كانوا يفسدون دلالته دلالة المطلق، أتى بقوله: * (ولا يصلحون) *، فنفى عنهم الصلاح، وهو نفي لمطلق الصلاح، فيلزم منه نفي الصلاح كائنا ما كان، فلا يحصل منهم صلاح البتة. والمسحر: الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله. وقيل: من السحر، وهو الرئة، أي أنت بشر لا تصلح للرسالة. ويضعف هذا القول قولهم بعد: * (ما أنت إلا بشر مثلنا) *، إذ تكون هذه الجملة توكيدا لما قبلها، والأصل التأسيس. ومثلنا: أي في الأكل والشرب وغير ذلك من صفات البشر، فلا اختصاص لك بالرسالة.
* (يأتى بئاية) *: أي بعلامة على صحة دعواك، وفي الكلام حذف تقديره: قال آتي بها، قالوا: ما هي؟ * (قال هاذه ناقة) * روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة تلد سقبا. فقعد صالح يتفكر، فقال له جبريل عليه السلام: صل ركعتين وسل ربك الناقة، ففعل؛ فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم، ونتجت سقبا مثلها في العظم. وتقدم في الأعراف طرف من قصة ثمود والناقة، والشرب النصيب المشروب من الماء نحو السقي. وقرأ ابن أبي عبلة: شرب، بضم الشين فيهما، وظاهر هذا العذب أنه في الدنيا، وكذا وقع ووصف بالعظم لحلول العذاب فيه، ووصفه به أبلغ من وصف العذاب به، لأن الوقت إذا عظم بسبب العذاب، كان موقع العذاب من العظم أشد. ونسب العقر إلى جميعهم، لكونهم راضين بذلك، حتى روي أنهم استرضوا المرأة في خدرها والصبيان، فرضوا جميعا.
* (فأصبحوا نادمين) *، لا ندم توبة، بل ندم خوف أن يحل بهم العذاب عاجلا، وذلك عند معاينة العذاب في غير وقت التوبة. أصبحوا وقد تغيرت ألوانهم حسبما كان أخبرهم به صالح عليه السلام، وكان العذاب صيحة خمدت لها أبدانهم، وانشقت قلوبهم، وماتوا عن آخرهم، وصب عليهم حجارة خلال ذلك. وقيل: كانت ندامتهم على ترك عقر الولد، وهو قول بعيد. وأل في: * (فأخذهم العذاب) * للعهد في العذاب السابق، عذاب ذلك اليوم العظيم.
* (كذبت قوم لوط المرسلين * إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسئلكم
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»