تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣١٣
لمرسلون، وما علينا إلا البلاغ المبين، قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم، قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون، وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون، وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون، إني إذا لفي ضلال مبين، إني آمنت بربكم فاسمعون، قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) *.
تقدم الكلام على اضرب مع المثل في قوله: * (أن يضرب مثلا ما بعوضة) * [البقرة: 26] والقرية: أنطاكية فلا خلاف في قصة أصحاب القرية (إذ جاءها المسلون) هم ثلاثة جمعهم في المجيء وإن اختلفوا في زمن المجيء (إذ أرسلنا إليهم اثنين) الظاهر من (أرسلنا) أنهم أنبياء أرسلهم الله، ويدل عليه قوله المرسل إليهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله الله. وهذا قول ابن عباس وكعب. وقال قتادة: ' وغيرهم من الحواريين بعثم عيسى - عليه السلام - حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه فافترق الحواريون في الآفاق فقص الله قصة الذين ذهبوا إلى أنطاكية وكان أهلها عباد أصنام صادق وصدوق قاله وهب وكعب الأحبار '، وحكى النقاش بن سمعان ويحنا. وقال مقاتل: ' تومان ويونس '. (فكذبوهما) أي: دعواهم إلى الله وأخبرا بأنهما رسول الله فكذبوهما (فعززنا بثالث) أي: قوينا وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة. وقال: يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب '. وقال غيره: يقال المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها، ويقال للأرض الصلبة القرآن هذا على قراءة تشديد الزاي، وهي قراءة الجمهور. وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو بكر والمفضل وأبان بالتخفيف. قال أبو علي:: ' فغلبنا '، انتهى وذلك من قولهم:: من عزني وقوله تعالى * (وعزني في الخطاب) *، وقرأ عبد الله (بالثالث) بألف ولام. والثالث. شمعون الصفا قاله ابن عباس. وقال كعب ووهب ' شلوم '. وقيل: يونس. وحذف مفعول (فعززنا) مشددا. أي: قويناهما بثالث. مخففا. فغلبناهم. أي: بحجة ثالث وما يلطف به من التوصل إلى الدعاء إلى الله حتى من الملك على ما ذكر في قصتهم. وستأتي هي أو بعض منها إن شاء الله وجاء أولا (مرسلون) بغير لام، لأنه ابتداء أخبار فلا يحتاج إلى توكيد بعد المحاورة (لمرسلون) بلام التوكيد لأنه جواب عن إنكار، وهؤلاء أمة أنكرت النبوات بقولها (وما أنزل الرحمن من شيء) وراجعتهم الرسل بأن ردوا إلى الله، وقنعوا بعلمه، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط، وما عليهم من هداهم وضلالهم، وفي هذا وعيد لهم. ووصف البلاغ بالمبين وهو الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل من إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الميت * (قالوا إنا تطيرنا بكم) * أي: تشاءمنا. قلال مقاتل: ' احتبس عليهم المطر '. وقال آخر: ' أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل '، قال ابن عطية: ' والظاهر أن تطير هؤلاء كان ما سبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة، وافتتان الناس. وهذا على نحو تطير قريش بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى نحو ما خوطب به موسى - عليه السلام - ' وقال الزمخشري: ' وذلك أنهم كرهوا دينهم، ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه، وقبلته طباعهم، وتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابتهم نعمة، أو بلاء قالوا ببركة هذا، وبشؤم هذا، كما حكى الله عن القبط * (وإن نصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) * [الأعراف: 131] وعن مشركي مكة * (وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) * [النساء 78] انتهى. وعن قتادة: ' إن أصابنا شيء كان من أجلكم (لنرجمنكم) بالحجارة. قاله قتادة (عذاب أليم) هو الحريق. (قالوا طائركم معكم) أي: حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم. أي من أفعالكم ليس هو من أجلنا بل بكفركم. وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش (طيركم) بياء ساكنة بعد الطاء. وقرأ الحسن فيما نقل (أطيركم) مصدر ' أطير '
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»