تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣١٢
وقال الليث: ' هو رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود '. وقال الزجاج للكانونين شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رؤوسها لشدة برده. وأنشد أبو زيد بيت الهذلي:
* فتى ما ابن الأغر إذا شتونا * وحب الزاد في شهري قماح * رواه بضم القاف، وابن السكيت بكسرها، وهما لغتان. ' وسميا شهري قماح، لكراهة كل ذي كبد شرب الماء فيه '. وقال الحسن: ' القامح الطافح ببصره إلى موضع قدمه '. وقال مجاهد: ' الرافع الرأس الواضع يده على فيه '. وقال الطبري: ' الضمير في (فهي) عائد على الأيدي وإن لم يتقدم لها ذكر لوضوح مكانها من المعنى. وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين، ولذلك سمي الغل جامعة لجمعه اليد والعنق. وأرى علي كرم الله وجهه الناس الإقماح فجعل يديه تحت لحيية وألصقهما ورفع رأسه '. وقال الزمخشري: ' جعل الإقماح نتيجة قوله فهي (إلى الأذقان) ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرا، على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطل الذي يجفو عنه ترك للحق الأبلج إلى الباطل اللجلج '. انتهى. وقرأ عبد الله وعكرمة والنخعي وابن وثاب وطلحة وحمزة والكسائي وابن كثير وحفص (سدا) بفتح السين فيهما والجمهور بالضم وتقدم شرح السد في الكهف. وقرأ الحمهور (فأغشيناهم) بالغين منقوطة. وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن يعمر وعكرمة والنخعي وابن سيرين والحسن وأبو رجاء وزيد بن علي ويزيد بن المهلب وأبو حنيفة وابن مقسم بالعين من العشاء، وهو ضعف البصر جعلنا عليها غشاوة. (وسواء عليهم) الآية تقدم الكلام على نظيرها تفسيرا وإعرابا في أول البقرة. (إنما تنذر) تقدم * (لتنذر قوما) * [يس: 6] لكنه لما كان محتوما عليهم أن لا يؤمنوا حتى قال (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) لم يجد الإنذار لانتفاء منفعته فقال (إنما تنذر) أي: إنذارا ينفع (من اتبع الذكر) وهو القرآن قال قتادة: ' أو الوعظ ' (وخشي الرحمن) أي: المتصف بالرحمة مع أن الرحمة مع أن الرحمة قد تعود إلى الرجاء لكنه مع علمه برحمته هو يخشاه خوفا من أن يسلبه ما أنعم به عليه (بالغيب) أي: بالخلوة عند مغيب الإنسان عن غيوب البشر. ولما أحدث فيه النذارة (بشر بمغفرة) لما سلف (وأجر كريم) على ما أسلف من العمل الصالح، وهو الجنة. ولما ذكر تعالى الرسالة، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمنا ذكر \ الحشر وهو أحد الأصول الثلاثة والثالث: هو توحيد. فقال (إنا نحن نحيي الموتى) أي: بعد مماتهم. وأبعد الحسن والضحاك في قوله: إحياؤهم: إخراجهم من الشرك إلى الإيمان (ونكتب ما قدموا) كناية عن المجازاة. أي: ونحصي. فعبر عن إحاطة علمه بأعمالهم بالكتابة التي تضبط بها الأشياء. وقرأ زر ومسروق (ويكتب ما قدموا وآثارهم) بالياء مبنيا للمفعول. و (ما قدموا) من الأعمال (وآثارهم) خطاهم إلى المساجد. وقال: السير الحسنة والسيئة. وقيل (ما قدموا) من السيئات (وآثارهم) من الأعمال. وقال الزمخشري: ' ونكتب ما أسلفوا من الأعمال الصالحات غيرها، وما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علموه، وكتاب صنفوه، أو حبيس أحبسوه، أو بناء بنوه من مسجد أورباط أو قنطرة أو نحو ذلك. أوسيىء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين، وسكة على المسلمين، وسكة أحدثها فيها تحيرهم، وشئ أحدث فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاء، وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة، يستن بها ونحوه قوله عز وجل * (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) * [القيامة: 13] من آثاره '. انتهى. وقرأ الجمهور (وكل شيء) بالنصب على الاشتغال. وقرأ أبو السمال بالرفع على الابتداء. والإمام المبين: اللوح المحفوظ. قاله مجاهد وقتادة وابن زيد. وقالت فرقة: أراد صحف الأعمال.
* (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون، قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون، قالوا ربنا يعلم إنا إليكم
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»