تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٠٢
توبيخ وتوقيف وتقرير، وما مصدرية ظرفية، أي مدة يذكر. وقرأ الجمهور: * (ما يتذكر فيه من تذكر) *. وقرأ الأعمش: ما يذكر فيه، من اذكر، بالادغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظا بها في الدرج. وهذه المدة، قال الحسن: البلوغ، يريد أنه أول حال التذكر، وقيل: سبع عشرة سنة. وقال قتادة: ثمان عشرة سنة. وقال عمر بن عبد العزيز: عشرون. وقال ابن عباس: أربعون؛ وقيل: خمسون. وقال علي: ستون، وروي ذلك عن ابن عباس. * (وجاءكم) * معطوف على * (أو لم * نعمركم) *، لأن معناه: قد عمرناكم، كقوله: * (ألم نربك * بك * فينا وليدا) *، وقوله: * (ألم نشرح لك صدرك) *، ثم قال: * (ولبثت فينا) * وقال * (ووضعنا) *، لأن المعنى قدر بيناك وشرحنا. والنذير جنس، وهم الأنبياء، كل نبي نذير أمته. وقرئ: النذر جمعا، وقيل: النذير: الشيب، قاله ابن عباس، وعكرمة، وسفيان، ووكيع، والحسن بن الفضل، والفراء، والطبري. وقيل: موت الأهل والأقارب؛ وقيل: كمال السفل.
فذوقوا) *: أي عذاب جهنم. وقرأ جناح بن حبيش: عالم منونا، غيب نصبا؛ والجمهور: على الإضافة. ومجئ هذه الجملة عقيب ما قبلها هو أنه تعالى ذكر أن الكافرين يعذبون دائما مدة كفرهم. كانت مدة يسيرة منقطعة، فأخبر أنه تعالى * (*) *: أي عذاب جهنم. وقرأ جناح بن حبيش: عالم منونا، غيب نصبا؛ والجمهور: على الإضافة. ومجئ هذه الجملة عقيب ما قبلها هو أنه تعالى ذكر أن الكافرين يعذبون دائما مدة كفرهم. كانت مدة يسيرة منقطعة، فأخبر أنه تعالى * (عالم غيب * السماوات والارض) *، فلا يخفى عليه ما تنطوي عليه الصدور من المضمرات. وكان يعلم من الكافر أنه تمكن الكفر في قلبه، بحيث لو دام إلى الأبد ما آمن بالله ولا عبده. وخلائف: جمع خليفة، وخلفاء: جمع خليف ويقال للمستخلف: خليفة وخليف، وفي هذا تنبيه على أنه تعالى استخلفهم بدل من كان قبلهم، فلم يتعظوا بحال من تقدمهم من مكذبي الرسل وما حل بهم من الهلاك، ولا اعتبروا بمن كفر، ولم يتعظوا بمن تقدم. * (فعليه كفره) *: أي عقاب كفره، والظاهر أنه خطاب عام؛ وقيل: لأهل مكة. والمقت: أشد الاحتقار والبغض والغضب، والخسار: خسار العمر. كان العمر رأس مال، فإن انقضى في غير طاعة الله، فقد خسره واستعاض به بدل الربح بما يفعل من الطاعات سخط الله وغضبه، بحيث صاروا إلى النار.
* (قل أرءيتم شركاءكم) *، قال الحوفي: ألف الاستفهام ذلك للتقرير، وفي التحرير: أرأريتم: المراد منه أخبروني، لأن الاستفهام يستدعي ذلك. يقول القائل: أرأيت ماذا فعل زيد؟ فيقول السامع: باع واشترى، ولولا تضمنه معنى أخبروني لكان الجواب نعم أو لا. وقال ابن عطية: أرأيتم ينزل عند سيبويه منزلة أخبروني. وقال الزمخشري: أروني بدل من أرأيتم لأن معنى أرأيتم أخبروني، كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعن ما استحقوا به الإلهية والشركة، أروني أي جزء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون الله، أم لهم مع الله شركة في خلق السماوات؟ أم معهم كتاب من عند الله ينطق بأنهم شركاؤه؟ فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب، أو يكون الضمير في * (ءاتيناهم) * للمشركين لقوله: * (أم أنزلنا عليهم سلطانا) *، * (أم ءاتيناهم كتابا من قبله) *.
* (بل إن يعد الظالمون بعضهم) *: وهم الرؤساء، * (بعضا) *: وهم الأتباع، * (إلا غرورا) * وهو قولهم: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) *. انتهى. أما قوله * (أرونى) * بدل من * (أرءيتم) * فلا يصح، لأنه إذا أبدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بد من دخول الأداة على البدل، وأيضا فإبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم، ثم البدل على نية تكرار العامل، ولا يتأتى ذلك هنا، لأنه لا عامل في أرأيتم فيتخيل دخوله على أروني. وقد تكلمنا في الأنعام على أرأيتم كلاما شافيا. والذي أذهب إليه أن أرأيتم بمعنى أخبرني، وهي تطلب مفعولين: أحدهما منصوب، والآخر مشتمل على استفهام. تقول العرب: أرأيت زيدا ما صنع؟ فالأول هنا هو * (شركاءكم) *، والثاني * (ماذا خلقوا) *، وأروني جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد. ويحتمل أن يكون ذلك أيضا من باب الإعمال، لأنه توارد على ماذا حلقوا، أرأيتم وأروني، لأن أروني قد تعلق على مفعولها في قولهم: أما ترى، أي ترى هاهنا، ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين. وقيل: يحتمل أن يكون أرأيتم استفهاما حقيقيا، وأروني أمر تعجيز للتبيين، أي أعملتم هذه التي تدعونها كما هي وعلى ما هي عليه من العجز، أو تتوهمون فيها قدرة؟ فإن كنتم تعلمونها
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»